للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرنسيون قد قرروا اتباع أي من هذه (السياسات) بوضوح. وقال السيد تيار الذي تتبع مختلف الكتابات الفرنسية عن الجزائر خلال حوالي قرن من الزمن: أن سياسة فرنسا نحو الأهالي لم تدخل حيز الاهتمام النشيط إلا منذ سنوات قصيرة. فقد استحوذ السكان الفرنسيون بين ١٨٣٠ و ١٨٩٠ على كل شيء وشغلتهم مختلف الانشغالات. فكانت المصاريف من أجل حاجتهم هم فقط. ولكن تحت ضغط البرلمان المستمر عليهم (؟) وبعد مقاومة صامتة، اتجهوا (الكولون) إلى العمل بدون حماس، وأحيانا مع بعض التشاؤم، ثم أخذوا يبدون اهتماما متناميا. وها هي النتيجة أنهم يسيرون في الاتجاه الذي اختارته الحكومة الفرنسية والذى أدى خلال جيلين أو ثلاثة إلى تحول عدد كبير من الأهالي اجتماعيا وسياسيا ومعنويا (١).

وبعد قرن من الاحتلال أعلن إيميل غوتييه المعروف بأفكاره ونظرياته الاستعمارية المتطرفة والأستاذ في التاريخ والجغرافية والمؤثر على جيله، أن افتراض استقلال الجزائر عن فرنسا لا يمكن تصوره. وهو لا يقصد استقلال العرب والمسلمين فقط ولكن استقلال كل سكان الجزائر عندئذ، بمن فيهم الفرنسيون. وقد بنى نظريته هذه على أن تاريخ الجزائر يشهد منذ ألفي سنة على تبعيتها لدولة خارجية لأن سوق اقتصادها مرتبط بهذه الدولة الأجنبية، ذلك أن اقتصادها قائم على الزراعة وليس لها مستهلك في العهد الفرنسي مثلا غير السوق الفرنسي. وقد عمم غوتييه نظريته لتشمل كل شمال إفريقية أيضا. فهذه المنطقة مرتبطة اقتصاديا بدولة أجنبية حيث الأسواق مفتوحة لها. ثم أن قرب الجزائر من مرسيليا دليل على هذه الرابطة القوية في نظره بين الطرفين. ولذلك لا يمكن حتى أن يتصور المرء افتراض استقلال الجزائر عن فرنسا (٢). أن الاندماج أو التكامل الاقتصادي بين الطرفين في نظره قضية حتمية.


(١) شارل تيار (الجزائر في الأدب الفرنسي)، الجزائر، ١٩٢٥، ص ١٦٠.
(٢) غوتييه (كراسات الاحتفال المئوي)، ج، ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>