للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمؤثرات جديدة. فالمسلم أصبح لا يخرج من داره إلا وهو ذليل، وأصبح محجبا كالمرأة، ذلك أن الشارع فيه حضارة أخرى مغايرة، حضارة الفرنسيين (الروم). وقد أهين المسلمون بالهزيمة على يد الكفار. وأن الأتراك، رغم استبدادهم، أخف وطأة من الفرنسيين (وهو رأي عبر عنه حمدان خوجة سنة ١٨٣٣ حين قال: اللهم ظلم الترك ولا عدل الفرنسيس). وأن القضاة الذين يوظفهم الفرنسيون لا ثقة فيهم، لأنهم لا يخدمون إلا أنفسهم أو أسيادهم. وكذلك لا ثقة في العلماء ولا في الحكام الذين يعينهم الفرنسيون، لأن المسلم الحقيقي لا يقبل أن يعمل عند الكفار. إن هؤلاء الكفار يغرقون الأهالي ببضائعهم، ومنها الملابس والسكر والشمع غير الطاهر والذي يقدمونه للمرابطين. إن الفرنسيين يتجسسون على الجزائريين لمعرفة أسرارهم وذلك بالصلاة معهم والذهاب إلى الحج للاطلاع على خفايا المسلمين. إنهم يظهرون وديعين في البداية ثم يكشرون عن أنيابهم ويصبحون غلاظا وقساة في النهاية. وهم يمنعون الجزائريين من تعلم الدين والقرآن في المدارس، بينما يعلمون اللغة الفرنسية لأبناء الجزائريين بهدف إخراجهم عن دينهم. وبعد أن ينتهي التلميذ من المدرسة تطلبه الثكنة. لكن نير النصراني (الفرنسي) سيتحطم ذات يوم (١)!.

وهناك ٨٦ مجلسا تحدث عنها ديبارمي. وكل مجلس له حكاية خاصة. وقد حضر المجلس الأخير رجال الصوفية، الأغواث والأقطاب والأوتاد ونوابهم، في الجزائر. وحضر معهم غوت مرسيليا - سيدي المرسلي - الذي ذكر الحاضرين بخيرات فرنسا وكرمها، كما حضر رئيس الديوان. وبعد التداول في مصير الجزائر اتفق أعيان الصوفية، حسب راوي المجالس، على تفويض الأمر إلى الله. فهو الحكيم العليم والمقدر كم سيبقى الفرنسيون في الجزائر ومتى سيخرجون منها.


(١) جوزيف ديبارمي (عمل فرنسا كما يراه الأهالي) في المجلة الجغرافية للجزائر وشمال إفريقية، SGAAN، ١٩٠٩، القسم الأول، ص ١٦٧، والثاني ص ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>