للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيرات آبائهم (١). وكم يحلو للفرنسيين أن يكرروا هذه الأقاويل على أنفسهم وعلى الجزائريين لأنها في نظرهم، تبرر احتلالهم في الذهنية الشعبية.

ومن الذين برعوا في قراءة النصوص (الأهلية) واستخراج الروح الشعبية منها، جوزيف ديبارمى. ويبدو أنه كان أذكى من بعض أساتذته ومعاصريه المستشرقين الآخرين. وكان ديبارمي، بحكم معرفته للعربية وتعليمه في مدارس الجزائر مدة طويلة وعيشته في بيئة قريبة من البيئة العربية، قد تحصل على نصوص تعتبر سرية أو مهملة، واستطاع بحكم ثقافته النفسية والاجتماعية أن يستخرج منها حتى نوايا أصحابها الحقيقية أو المتخيلة، وأن يفك معمياتها ورموزها. وقد كتب الكثير في هذا المجال. ولا نريد الآن سوى ذكر نموذج واحد مما كتب.

حصل ديبارمي سنة ١٩٠٨ على نصين كانا لفلاحين يعيشان في منطقة البليدة. ثم أعطى النصين لمتعلم من حضر المدينة المذكورة، لم يذكر اسمه، ولكن من أوصافه له نعلم أنه كان غير متعصب ضد الفرنسيين، حسب رأي ديارمي، وكان ثلاثتهم لا يعرفون الفرنسية، وإنما يروون أخبارهم عن المرابطين. وقد توسع الرجل الحضري في النصين وأضاف إليهما فأصبح رأيه رأيا ثالثا في الموضوع (٢). وكان النصان في شكل (مجالس) يحكى خلالها الراوي قصصا وأخبارا حقيقية أو خيالية أو مزيجا، من الحقيقة والخيال. وترجم ديبارمي من هذه المجالس نصوصا بحذافيرها وساق المعنى الباقي بلغته.

وبناء على هذه المجالس التي (اكتشفها) ديبارمي فإن من نتائج الاحتلال الفرنسي أن المجتمع الجزائري قد تغيرت طبيعته وتأثر الفرد


(١) انظر المجلة الشرقية والجزائرية، ج ٢، ١٨٥٣، ص ١٥٤، (من رحلة ليون رينييه في أعتاب الأوراس).
(٢) الفلاحان هما: الشيخ محمد بن إبراهيم خوجة، ورابح بن قويدر. وأما الثالث فاكتفي ديبارمي بقوله عنه إنه متعلم ومن الكراغلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>