للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البتار، وقد استمروا على ذلك خلال ثورة ١٩٥٤ أيضا. والذين عاشوا هذه الثورة من الجزائريين يدركون أن ما فعله الجيش الفرنسي معهم وأجهزة المخابرات والمصالح الخاصة كان نسخة مكررة مما استعمله الفرنسيون ضد آبائهم وأجدادهم منذ ١٨٣٠.

اعتمد الفرنسيون في البداية على مخلفات الحروب الصليبية في المشرق وفي الأندلس. ومنها اعتبار سكان شمال إفريقية مسلمين متعصبين وشرقيين معادين للأوروبيين، وأن الإسلام هنا عدو للمسيحية هناك. كما اعتمدوا على تراث مكتوب شحنه رجال الدين والأسرى والرحالة والجواسيس والقناصل بمواطف العداء لأهل شمال إفريقية ووصفهم بأوصاف التخلف والتعصب والوحشية. وقد ترجم الفرنسيون واطلعوا قبل الحملة على مؤلفات الدكتور شو، وويليام شيلر، وبوتان، ودي طاسي والأب دان، وديفونتين، وريبندر، وبنانتي وغيرهم. ولذلك كانت ردود أفعال الفرنسيين الأولى تتماشى مع الأحكام التي أصدرها هؤلاء المؤلفون ضد السكان وحكامهم.

ومعظم هذه المؤلفات كانت تصب جام غضبها على الحكام (الأتراك) باعتبارهم حكاما غرباء ومستبدين، يحكمون لمجرد الشهوة في جمع المال والثروات، ومن أجل ذلك كانوا يقومون بالقرصنة ويفرضون الجزية على الدول الأوروبية، ويأسرون الأسرى ويبيعونهم في سوق النخاسة من أجل الثروة وليس من أجل أي هدف آخر. وفي نظر هؤلاء المؤلفين كذلك أن المحكومين (الأهالي) كانوا يبغضون الأتراك وأنهم إذا وجدوا مساعدة خارجية فسينضمون إليها لتحريرهم من ربقة الذل والهوان والاستغلال الذي كانوا يتعرضون له على يد الأتراك الظلمة المستبدين. ثم إن هؤلاء الأتراك ما هم إلا أقلية (أوليغاركية) وفيهم المرتدون عن المسيحية والمغامرون والجنود الذين قدموا من أناضوليا وسواحل شرق البحر الأبيض وجزره بحثا عن الغنائم والشهوات والثروات. وليس لهؤلاء الحكام ولاء حقيقي للسلطان العثماني الذي أصبح قلقا منهم لتمردهم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>