للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم الممتنعون في الجبال. وأن البربر هم هؤلاء المتحصنون في الجبال والمتكلمون بلهجاتهم الخاصة، وأن المعربين منهم إنما هم بربر أيضا، ومن ثمة فجملة البربر في الجزائر أكثر من جملة العرب فيها، وأثبت المخبر الاستعماري الفرنسي أن هؤلاء العرب هم المحافظون على بداوتهم، وهم الذين يسكنون السهول ويمارسون الرعي والترحال، وقل منهم المزارعون وسكان البيوت المبنية. وفي العرب طبقات وارستقراطية محافظة ونظام أبوي تقليدي، والولاء عندهم للعرش والجماعة. وهم محتلون للبلاد جاؤوا، في نظر الفرنسيين، من الحجاز، ومنهم الأجواد والأذواد والأشراف والمرابطون، ومنهم المخازنية والرعية، ولهم الموالي والعبيد، وهم كسلاء، ويمارسون تعدد الزوجات، كما أنهم محافظون على الدين الذي جاؤوا به. وهم في غزوات مستمرة ضد بعضهم البعض كما كانوا منذ قرون.

ومن جهة أخرى أثبت المخبر الاستعماري الفرنسي أن البربر هم السكان الأصليون وأنهم تعاونوا مع الرومان وكانوا على المسيحية. وأن لهم بشرة بيضاء وعيونا زرقاء وشعورا شقراء تدل على أن أصلهم نوردي - جرماني، وأن لهم لغة شفوية ذات أصول هندوأوروبية، وهي ذات لهجات. وهم سكان الجبال التي امتنعوا فيها عن مختلف الغزاة، ولهم نظام خاص يشبه النظام الأوروبي، فهم حينئذ ديمقراطيون بطبعهم، ولهم جماعات وأمناء، وهم يحسنون الزراعة وسكنى البيوت الطينية، وهم نشطون ويحبون العمل والمنافسة، ولا يرفضون التقدم والتمدن الذي جاء به الفرنسيون، وهم في نظر هؤلاء مسلمون، ولكن إسلامهم خفيف بدليل أنهم يفضلون العمل بالعرف على العمل بقواعد الإسلام. والبربر ليسوا قبيلة واحدة أو جنسا واحدا. فمنهم سكان الصحراء وسكان الجبال، وهم موجودون في جبال الظهرة والأوراس وجرجرة وميزاب والهقار. وهم كالعرب يغزون بعضهم بعضا أيضا.

ولو اعتمد هؤلاء الفرنسيون على روايات وأخبار المؤرخين وناقشوها وقبلوا منها ورفضوا بعضها لقلنا إن ما توصلوا إليه جدير بالنظر والدراسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>