للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم في الواقع سواء وأن الإسلام قد وحد بينهم في حضارة عميقة لا يبغون عنها حولا، وأن لغة القرآن كان يطالب بها البربري والعربي على حد سواء، وأن الجزائريين بهذه الصفة مشتركون في العداء للفرنسيين (١).

ولن نفهم هذه النقطة إلا بالرجوع إلى بعض آراء هؤلاء الكتاب. فقد عاش البربر والعرب في ظل الإسلام والوحدة والأخوة منذ الفتح. ولم يذكر المؤرخون أي توتر بينهم كان سببه التمايز العرقي أو الاختلاف اللغوي أو المذهبي. حقيقة أن هناك ثورات اشتركوا فيها لنصرة مذهب أو حاكم، ولكنهم كانوا إذا غضبوا غضبوا لأسباب سياسية أو اقتصادية في أغلب الأحيان. وقد خاضوا معا معارك الجهاد ضد الغزاة الأجانب، كما عاملهم العثمانيون طيلة ثلاثة قرون معاملة واحدة، سواء كانوا مخازنية أو رعية. فتكونت بينهم وحدة لا انفصام لها، وتاريخ وآمال مشتركة، ووحد بينهم الإسلام عقيدة ولغة وجمعتهم خريطة الجزائر بتربتها السهلية والجبلية والصحراوية على صعيد واحد.

ولكن بعض كتاب الفرنسيين لم يرقهم ذلك. فراحوا يبحثون عن الفروق في المقابر والمتاحف والحوادث التاريخية وفي لون البشرة وتباين اللهجات والأعراف ونظام الحياة اليومية. وكانوا يدخلون البربري والعربي في المخبر الفرنسي ويأخذون عينات من دم هذا وذاك، ومن جمجمة هذا وذاك ومن جلد هذا وذاك، ثم يحللونها بمهارتهم (العلمية) باستعمال تقنيات الأنثربولوجيا، واللسانيات، والأنساب، والسلالات، ثم يعلنون النتيجة الباهرة، في نظرهم، وهي أن هناك أكثر من شعب يسكن الجزائر، وأن هناك اختلافا بين عناصر هذه (الشعوب)، وأن الإسلام بينهم ليس على درجة واحدة من التمكن والرسوخ، وأن اللغة العربية قوية هنا وضعيفة هناك، بل منعدمة في بعض الجهات. وأن هناك العرب والمعربين وغير المعربين بتاتا،


(١) شارل روبير آجرون (الجزائريون المسلمون وفرنسا) ٢/ ٨٧٩، وكذلك فيكتور ترنقه (دراسة اجتماعية حول المجتمع الإسلامي في شمال إفريقية)، الجزائر ١٩١٣. راجعته (مجلة العالم الإسلامي)، سبتمبر ١٩١٣، ص ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>