ومنذ أوائل الأربعينات من القرن الماضي أخذ الفرنسيون (يكتشفون) سلاحا آخر، وهو أن في الجزائر عنصرا بربريا ليس ككل البربر. وبنوا على ذلك نظريات وأجروا بحوثا انتهت في نظرهم إلى أن هذا العنصر من الجنس الآري، أو الهند أوروبي، وأنه لا علاقة له بالجنس السامي. وبعد أن كانوا يعاملون كل السكان على أنهم عرب مسلمون وشرقيون، بدأوا يعاملونهم معاملة مختلفة، فبعضهم عرب وبعضهم بربر، والبربر بعضهم من الجنس الآري وبعضهم من الجنس الحامي. وأخذوا يضعون لهؤلاء وأولئك خصائص وميزات تجعل البعض أقرب إلى المسيحية وإلى الفرنسيين في العرق والسلوك والنظام الاجتماعي من السكان الآخرين. وقد تجاهل الفرنسيون روايات النسابة البربر والعرب والنظريات التاريخية التي ترجع إلى قرون خلت، وتجاهلوا الروايات الشفوية التي يرويها البربر أنفسهم عن أنسابهم (١)، رغم أنهم (أي الفرنسيين) قد ترجموا معظم المصادر العربية والإسلامية التي تعالج هذا الموضوع، ومنها تاريخ ابن خلدون، وتاريخ ابن الأثير، وابن عبد الحكم، وابن حزم، والمسعودي وأضرابهم.
وبعد حوالي قرن من البحث (العلمي) على يد عقداء في الجيش الفرنسي، من أمثال كاريت، ورين، وهانوتو، ودوماس، الخ. ومستوطنين حاقدين من أمثال الدكتور وارنييه، وباتييه، وقوتييه، وأندري سيرفييه، وأندري باصيه - قلنا بعد ذلك اعترف الفرنسيون بأنهم كانوا يزيفون التاريخ وأنهم إنما فعلوا ذلك من أجل السياسة والبقاء في الجزائر، أما الجزائريون
(١) من كتب النسابة البربر، حسب رواية أبي القاسم الزياني الذي ترجم الفرنسيون بعض أعماله وهو (الترجمان المعرب): - تاريخ سليمان بن إسحاق المطماطي، - تاريخ هاني بن يصدور القوصي، تاريخ كهلان بن أبي لؤي الأوربي، وقد استعمل ابن خلدون هذه التواريخ التي تعالج أيام البربر وأنسابهم في الجاهلية والإسلام. انظر مولاي بلحميسي (الجزائر من خلال رحلات ...) الجزائر، ١٩٧٨، ص ١٦٠ - ١٦١. وكذلك رينييه باصيه (النسابة البربر) في (الأرشيف البربري)، المجلد الأول، ص ١? ١٣.