ووسعوا الخلاف بين العائلات الحاكمة هناك، عائلة أورابح ضد عائلة أوقاسي، وهذه ضد عائلة سيدي الجودي، وهذه ضد عائلة ابن زعموم الخ. واستمر الضرب على هذا الوتر طيلة عقود: ضرب العرب بالعرب والبربر بالبربر، دون تمييز. وكان بعض العرب والبربر من الغفلة والجهل بحيث مدوا رقابهم للذبح وأيديهم للقيد، دون تفكير في العواقب ودون إدراك للأهداف السياسية للفرنسيين. وإذا صدقنا الروايات الفرنسية فإن القادة الأهالي قد صفوا بعضهم ببعض، وكانت مهمة الفرنسيين هي فقط توفير السلاح.
ولم تسلم الطرق الصوفية من سلاح التقسيم أيضا. فحين رأى الفرنسيون أن الخطر يكمن في هذه الطرق بعد القضاء على المقاومة المنظمة، استعملوا نفس السلاح ضد الطرق أيضا. فقدموا بعض قادة الطرق الصوفية للوظائف الزمنية، كما فعلوا مع أولاد سيدي الشيخ في البيض، وعائلة ابن علي الشريف في أقبو، وعائلة ابن حسين في الخنقة، وعائلة الصحراوي بتيارت، الخ. وقسموا الطريقة الرحمانية إلى فروع موالية معظمها في الجنوب، وفروع معارضة معظمها في الشمال، وضربوا القادرية والرحمانية بالطريقة التجانية التي كانوا ينوهون بولائها وخدماتها. ورغم أنهم ظلوا يعتبرون الدرقاوية معارضة ومبتعدة عن الوظائف الزمنية، عدا القضاء والتعليم، فإنهم وجدوا في الطريقة العليوية (وهي درقاوية) طريقة (عصرية) قريبة من الإدارة الفرنسية وحاولوا أن يضربوا بها الحركة الإصلاحية، كما استعملوا بعض فروع الرحمانية ضد هذه الحركة مثل زاوية الهامل.
ولم تسلم الناحية المذهبية من سلاح التفريق أيضا. فقد حاول الفرنسيون أولا التفريق بين علماء المذهب المالكي والمذهب الحنفي. ولما عجزوا عن ذلك، لجأوا إلى التفريق بين أهل المذهب المالكي والإباضي. فنصبوا الحماية على ميزاب وتركوا لأهلها عاداتهم وأعرافهم، واعفوهم من الخدمة العسكرية، وراعوهم في الضرائب. وما التوترات التي نقرأ عنها في المدن بين التجار أحيانا إنما كانت بفعل سياسة التفريق هذه.