للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرفون جيدا، أحوالها السياسية والتجارية والمالية، وقد ارتموا في أحضان الفرنسيين من أول وهلة رغم أنهم كانوا منذ الطرد من الأندلس مع المسلمين، يتمتعون بمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الجزائري.

وهكذا انطلقت سياسة تفريق الصفوف: الحضر ضد الترك، ثم الحضر العرب ضد الحضر الكراغلة، ثم اليهود ضد الحضر بأنواعهم. هذا في المدن كالجزائر وتلمسان ومستغانم وقسنطينة والبليدة والمدية. وسنرى أن الحضر كانوا لا يمثلون في خطر الفرنسيين أي وزن بعد التوسع في الاحتلال. وسيعتمد الفرنسيون على نوع آخر في تفريق الصفوف عندما تخرج جيوشهم إلى البادية أو الأرياف بجبالها وسهولها وصحاريها، لأن معظم سكان الجزائر كانوا خارج المدن.

عندما ظهرت القيادات المقاومة للغزو الفرنسي داخل البلاد استعمل الفرنسيون أيضا قادة ضعفاء النفس، طامعين في السلطة وأمدوهم بالسلاح والعتاد والرجال، وضربوا، كما يقولون، الصفوف ببعضها. فقد اعتمدوا في أول الأمر على قادة من أصول تركية أو سبق لهم الحكم في الأقاليم، مثل إبراهيم بوشناق في مستغانم، ومصطفى المقلش في تلمسان، وإبراهيم الكريتلي في عنابة. الأولان ضد الأمير عبد القادر، والأخير ضد الحاج أحمد.

وفي الصفوف العربية ضربوا القادة ببعضهم أيضا سواء في شرق البلاد أو غربها. ففي الشرق شجعوا فرحات بن سعيد من عائلة وعكاز ضد شيخ العرب ابن قانة الذي كان صهرا للحاج أحمد. وفي الغرب فصلوا مصطفى بن إسماعيل ومحمد المزاري ثم سيدي العربي عن الأمير عبد القادر، وبنوا حبة من قبة على الخلاف الذي وقع بين الأمير ومحمد الصغير شيخ التجانية في عين ماضي، حتى جعلوا خلافهما متوارثا في الطريقة بين التجانية والقادرية مدة قرن. كما ضخموا الخلاف بين الأمير والحاج أحمد. ودخلوا زواوة

<<  <  ج: ص:  >  >>