قبل هزيمة ديسمبر ١٨٤٧ بسنتين. وكان بوجو عندئذ في أوج طغيانه، بعد أن افتك من الأمير عبد القادر المدية ومليانة وتلمسان ومعسكر وتاقدامت، واستولى على الزمالة. وواجه الفرنسيون في نفس السنة (١٨٤٥) ثورة الظهرة الشهيرة التي شاركت فيها مختلف الطرق الصوفية وحد ثت على إثرها معركة سيدي إبراهيم.
فماذا قالت الوثيقة عن الجزائريين؟ إنها تحدثت عن نوعين فقط من (السلالات): العرب والقبائل، وهو تصنيف قد يكون حدث لأول مرة، حسب علمنا. أما العرب فهم على صنفين: صنف يسكن السهول بين الساحل وجبال الأطلس، ونوع يسكن الهضاب العليا. الأولون مستقرون، والأخيرون رحالة. وعرفت الوثيقة (العرب) بأنهم أهل البادية - الريف، ولا تعني سكان المدن (الحضر) لقلة عدد هؤلاء واختلاطهم بالسكان الآخرين (؟). ثم ذكرت الوثيقة، التي يغلب على الظن أن محررها هو يوجين دوماس رئيس المكتب العربي المركزي في عهد بوجو، الأوصاف التي كان يتميز بها المجتمع العربي وطبقاته كالارستقراطية ونظام الأبوة وأهمية الشرف، مضيفة شيئا لم نذكره وهو اعتماد هذا المجتمع على وحدة الدوار، ووجود مجلس في كل دوار يسيره الكبار أو الأعيان.
وأما أهل القبائل فقالت عنهم الوثيقة بأنهم هم سكان الجبال، وعرفتهم بأنهم خليط ممن قاوموا الغزاة عبر العصور. واعترفت الوثيقة بصعوبة الحكم عليهم عندئذ لعدم المعرفة الكاملة بهم. كما نسبت لهم نفس الأوصاف التي ذكرناها عن البربر، ولكنها أضافت أنهم أقل حبا للرحلة والتنقل من العرب، وأن الذي كان يوحدهم هو التعصب ضد الكفار، وأن لهم نظاما يتمثل في العرش والقبيلة والجماعة والأمين (١).
(١) نشرت (مجلة الشرق)، باريس ١٨٤٥ خلاصة الوثيقة التي قالت إن بوجو قد وقعها ووزعها على رؤساء المكاتب العربية العسكرية ليحكموا بمقتضاها. انظر صفحات ٣٤٧ - ٣٦١. ولا ننسى أن بعض المناطق الهامة ما تزال غير محتلة عندئذ.