والاطلاع على أحوالها ومعرفة رغائبها وسط تفكيرها، ومحاولة إخراجها من وضعها المتردي. وفي النساء الأوروبيات من حملت القلم لوصف تلك الحال، وفيهن من حملن الصليب ليعطي بركاته للمرأة المسلمة، ومنهن من فتحت ورشة لاستقبال البنات المسلمات بعد إقناع أمهاتهن بأن لا خوف عليهن من الأذى ولا من التنصير ولا من التبرج. وبدأت عملية التعرف والاتصال، ومحاولات تكسير الحواجز بين (المتقدمات) السافرات المتحررات القادمات من أوروبا وبين المتخلفات القابعات المغلوبات على أمرهن في الجزائر.
سوف لا نذكر هنا فضيحة عائشة بنت محمد وتهريبها وتنصيرها سنة ١٨٣٤ وبداية الاعتداء الفرنسي على حرمات الدين والقضاء والمجتمع. فذلك فصل آخر (١). وسوف لا نذكر كذلك ورشات السيدة لوسي (الليكس) والسيدة ابن عابن، وسيدات كثيرات في العاصمة وفي زواوة وميزاب وبسكرة ووهران وغيرها حيث دروس الطرز والنسيج التي تحولت إلى دروس في الترقية الاجتماعية والدمج الحضاري، ومثلت بداية التوتر داخل الأسرة الجزائرية بين الأم والبنت، والبنت والأب، والجار والجار، وكم من فضيحة وقعت ولكن قبرت في وقتها، وكم من ضحايا لعمليات الإنقاذ هذه. فالمرأة الجزائرية لم تتول قيادة (تحريرها) بنفسها وإنما الأخريات هن اللائي رمين بحبال النجاة إليها. ولذلك بقيت تابعة لا متبوعة وفاقدة لروح المبادرة فيما يتعلق بمصيرها. كان الأخريات يتحدثن عنها وهي غائبة، ويخططن لها وهي فاقدة للوعي. ومن السيدة لوسي إلى السيدة ماري بوجيجا حوالي قرن، ولكن وضع المرأة الجزائرية هي هو هو تقريبا، رغم فرص التعلم منذ أوائل هذا القرن.
فكيف سارت الأمور؟ بالإضافة إلى كتابات الرجال عن المرأة
(١) عن المرأة الجزائرية في عهد الاحتلال انظر مغنية الأزرق (بلاغة الصمت: مشكلة المرأة الجزائرية)، نيويورك، ١٩٩٤.