عجز عن الارتحال، وأصيب بالعمى وكبر السن، وكان من الشعراء البارزين وأصحاب الفتوى: أن (الحل الكثير من ذوي الأموال سافر من هذه البلدة (الجزائر) براء وبحرا، شرقا وغربا، كما هو مشاهد محسوس لكل أحد). أما الباقون فاختلفت أسباب عدم هجرتهم. وقد فرغت مدن كاملة من سكانها مثل وهران وبجاية وعنابة عند الاحتلال، ومع ذلك زعم الفرنسيون فيما بعد أن الجزائر كانت بدون سكان مدن.
إن العلماء الذين أفتوا بالهجرة من البلاد التي تغلب عليها الفرنسيون استندوا إلى آيات وأحاديث ووقائع تاريخية، كهجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، وهجرة أهل الأندلس، والتجارة في بلاد غير المسلمين (دار الحرب). وهناك حجج لهم يستندون إليها. ونود أن نذكر أن المقصود بالهجرة عندما طرحت خلال الثلاثينات من القرن الماضي، هو الخروج من المنطقة التي تغلب عليها الفرنسيون إلى منطقة أخرى ما تزال تحت الحكم الإسلامي، كالمناطق الواقعة تحت حكم الأمير عبد القادر. وقد جعل الأمير حماية المسلمين من الأحكام الصارمة في كل معاملاته مع المسلمين ومع الفرنسيين، وطبق الأحكام الإسلامية وقوانين الحرب على رعاياه من جهة وعلى المسلمين الواقعين تحت حكم الفرنسيين من جهة أخرى. وكان على هؤلاء المسلمين في نظره أن يخرجوا من ربقة الفرنسية لكين يكون هو الحامي الوحيد لهم. وكان هدفه أيضا هو عزل الفرنسيين وقطع المسلمين التعامل معه إلا بتعليماته، إضعافا لهم وإكراههم على الخروج من الجزائر أو إقامة العلاقات معه والاعتراف به هو كسلطة إسلامية وحيدة في البلاد.
والجدل الذي نشأ حول الهجرة بين بعض العلماء عندئذ إنما مصدره هذه الفكرة، وهي تجمع المسلمين تحت راية الأمير ورفض الحكم الفرنسي وتوحيد الصف، وليس المقصود به مغادرة القطر الجزائري إلى بلدان أمامية
= في المجلة الآسيوية. انظر دراستنا عنها في كتابا (تجارب في الأدب والرحلة)، ١٩٨٢، وكذلك فصل الشعر. وقد توفى ابن الشاهد حوالى ١٢٥٢ (١٨٣٧).