للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما القول بأن الفرنسيين قد سمحوا للجزائريين بالحرية الدينية ففيه تمويه كبير. والذي يطلع على ما فعلوه في المساجد والأضرحة والزوايا، ومع الاحباس ورجال العلم والدين، ومع الطرق الصوفية، وتشجيع الخرافات ومنع تفسير القرآن، وتحريم أبواب من الفقه على المدرسين (١) ... يعرف أن تلك الحرية غير موجودة. كما أن الحج كان ممنوعا في كثير من المواسم، وأن الأعياد الدينية كانت غير رسمية وغير شرعية، عدا عيدي الفطر والأضحى، ولكن أي عيد؟ أما القضاة المسلمون فقد انتزع القضاة الفرنسيون صلاحياتهم ما عدا الأحوال الشخصية.

ومنذ هذه الفترة (حوالي ١٨٩٣) ظلت حدود الجزائر مغلقة في وجه الهجرة نحو الشرق. لقد ارتاع الفرنسيون من كثرة المهاجرين من إقليم قسنطينة عندئذ. فاستصدروا الفتوى المذكورة وأغلقوا الحدود ومنعوا الحج إلا استثناء، خوفا فيما يبدو من حركة الجامعة الإسلامية ودعاية السلطان عبد الحميد في أوساط المهاجرين. ونحن وإن كنا سنعرض للهجرة نحو المشرق في فصل آخر (٢)، فإننا نذكر أن فكرة الهجرة ظلت حية عند الجزائريين رغم كل القيود والفتاوى. ولذلك كتب ألفريد لوشاتلييه سنة ١٩٠٧ مستنكرا سياسة بلاده هذه قائلا إن هناك (سياسة سرية) تقوم على التوازن السياسي للجزائر الأهلية بإبقاء حدودها مغلقة مع العالم الخارجي. وحذر من أن الشعوب تحتاج إلى الهواء وأن فرنسا قد خرجت من الباستيل. وكان من رأى لوشاتلييه أن على فرنسا أن تستعمل المهاجرين الجزائريين (وعددهم حوالي خمسين ألفا، كما قال) في المغرب وسورية لصالحها (٣). وكأن هذا الكاتب كان يتنبأ، لأن سنة ١٩١٠ و ١٩١١ قد شهدت هجرات


= الحجاز خلال هذه الظروف. وقد استعان كورتيلمون بأحد الحجاج الجزائريين.
(١) انظر فصل السلك الديني والقضائي.
(٢) انظر فصل المشارق والمغارب.
(٣) مجلة العالم الإسلامي، ١٩٠٧، ص ٥١٢، اسم لوشاتلييه مشار إليه فقط بالحروف:. A.L.C.

<<  <  ج: ص:  >  >>