والضرائب تجبى بطريقة عسكرية، والقوانين كلها تنفذ تحت إشراف الحاكم العام. وكانت الجزائر في حالة حرب مستمرة. وقد أحس المدنيون الفرنسيون (الكولون) أنهم بذلك كانوا يعاملون معاملة (الأندجين) أو الأهالي، فأخذوا يطالبون بتطبيق القوانين المدنية عليهم وخضوعهم لما يخضع له مواطنوهم الفرنسيون في بلادهم، وفصلهم في المعاملة عن الأهالي. ويعتبر موقف الجمهورية الثانية المذكور تنازلا كبيرا لهم، وهو الأول من نوعه. وبعد عشر سنوات (١٨٥٨) وقع تنازل آخر أو تجربة أخرى حين جرب نابليون طريقة الحكم المباشر للجزائر فألغي منصب الحاكم العام وأنشأ وزارة مدنية في حكومته، وأنشأ في الجزائر مجالس الولايات، ولكن التجربة لم تدم سوى سنتين ثم أعاد منصب الحاكم العام العسكري وأبقى على مجالس الولايات. ولكن الكولون ظلوا في صراع مع الجنرالات، وازداد الصراع حدة حين كثر الحديث عن مشروع المملكة العربية أو إعطاء الجزائريين (ذاتية عربية) رشح لها نظريا الأمير عبد القادر.
وقد انتهى الصراع لصالح المدنيين على إثر سقوط نابليون وتغيير النظام إلى جمهوري. فمنذ ١٨٧٠ حصل (الاندماج) الكلي بين الجزائر وفرنسا بالنسبة للكولون، فقد أصبحت مصالحهم مرتبطة مباشرة بالوزارات المعنية في بلادهم، وأصبح لهم نوابهم في البرلمان كمواطنيهم، وخضعوا لكل ما خضع له هؤلاء من قوانين. فكانت عملية الاندماج كاملة، وقد أطلق عليها أحيانا، (خلال الثمانيات) اسم (الإلحاق) ثم كللت عملية الاندماج هذه سنة ١٨٩٨ بإنشاء الحكم الذاتي المالي. أما الجزائريون فقد اختلف وضعهم، ففي المناطق المدنية حيث الفرنسيون والنظام البلدي، خضعوا لقانون الأندجينا، وفي المناطق المسماة مختلطة أو عسكرية، كان الحكم في يد المكاتب العربية كالسابق.
وفي هذه الأثناء - بعد السبعينات - بدأ الحديث عن (إدماج) الجزائريين في المجتمع الفرنسي: هل هو ممكن؟ وبأية وسائل؟ بعضهم ظهر له أن الجزائريين لا يمكن دمجهم لاختلاف العادات والتقاليد وللأصول والدين