للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرنسيين ليكتبوا عن الجزائر، ولكن من وجهة نظر الغالب عن المغلوب، والمنتقم عن خصمه. وقد انكشف السر الجزائري الذي كان يحير الفرنسيين (والأوروبيين عامة) بعد سقوط الدولة وانتهاك البيوت وفتح الخزائن والاطلاع على العادات والتقاليد، ونمط العيش، والأسواق والطرقات، والمعاملات بشتى أنواعها. فنحن هنا لا نتوقع ولا نتحدث عن الموضوعية، ولكن عن الجزائر كموضوع للكتابة والإثارة والبحث. ومن المكابرة أن نقول إن الجزائريين كانوا في حالة يقظة وتقدم، فالحقيقة أن المفاجأة كانت متبادلة بين الفرنسيين والجزائريين، فلم يكن هؤلاء يتوقعون أن يحتل الفرنسيون بلادهم وأن يكشفوا عوراتهم ويعرفوا أسرار حياتهم، كما أن الفرنسيين فوجئوا بانتصارهم السهل على جيش الداي حسين وانفتاح أبواب القصبة في وجوههم، ووضع الخزينة بين أيديهم، وانسحاب الحراس من القلاع، وهروب السكان من بيوتهم. ومن حق الفرنسيين أن يتحدثوا عندئذ عن نشوة الانتصار وانكشاف الأسرار.

ولنقل منذ البداية أيضا بأن احتلال الجزائر تصادف مع عنفوان الحركة الرومانتيكية في أوروبا وفرنسا. تلك الحركة التي بنت للناس عالما من الخيال وجعلتهم يعيشون بعيدا عن الواقع القاسي الذي ولد مع الآلة والمصانع ورأس المال، وظلت الحركة مؤثرة إلى نهاية الامبراطورية بل كل القرن التاسع عشر. فأصبح هناك رومانتيكيون في كل المجالات في السياسة والاقتصاد والمشاريع والفنون والآداب. فقد أصبح الإنسان يعيش أو يموت من أجل حجر أو أثر بعيد. لقد أصبح ينشد عوالم غريبة عن طريق الأحلام. وكثير من المثقفين الفرنسيين الذين جاؤوا إلى الجزائر كانوا من هذا الصنف، بل حتى بعض قادة الجيش ورواد الإستيطان (١). وقد وصف نابليون الثالث بأنه رجل رومانتيكي.

وليس من مهمة هذا الكتاب البحث في جميع الكتابات الفرنسية ومدى


(١) بيلي (عندما أصبحت الجزائر)، مرجع سابق، ص ٢٦٨ - ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>