للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البربري القوي، وكانت لهم الميول الحضرية، ويظهر ذلك في حفلاتهم ومناسباتهم، وفي رقصهم وموسيقاهم. وكانوا مختلفين جدا عن يهود الأشكينازي الذين يعيشون في أوروبا الوسطى. فيهود الجزائر كانوا يقدسون بعض الشخصيات (الأولياء) الذين هاجروا من الأندلس في القرن ١٤، ويذهب الزوار منهم إلى قبور هؤلاء الأولياء ويوقدون عندهم الشموع ويعطون الصدقات. وكانت لهم مقبرة في باب الواد. وكان لهم في تلمسان ولي يدعى (راب إفرائيم انكاوة) توفي سنة ١٣٩٢ م. ولهم زعماء في العاصمة، مثل سيمون بن دوران (١).

ولكن الفرنسيين أخذوا يميزون اليهود عن المسلمين كما ذكرنا. يقول حمدان خوجة إن الفرنسيين قد عاملوا اليهود معاملة حسنة خلافا للمسلمين، فأعفوهم من سوء المعاملة التي خضع لها المسلمون في أملاكهم ومساجدهم. وأصبح اليهود، كما يقول خوجة، يتجاسرون على المسلمين، سيما أهل الريف (البدو)، ولم يعاقبهم الجيش الفرنسي على ذلك التجاسر، مع أنه قد ترتبت عليهم غيرة وأنفة، أي محاسدة ومباغضة من الجانبين. فاليهود (لم يحفر لهم قبر، ولم يهدم لهم ملك (٢)، ولم تؤخذ لهم شنوغة (بيعة) بل شنوغاتهم اليوم أزيد من جوامعنا الباقية بأيدينا، والشنوغات وإن كانت داخلة في الشروط (اتفاق ١٨٣٠) إلا أنها ضمنا ومساجدنا صارحة (كذا)) (٣). وحمدان خوجة الذي كان من بين من حث على الاستسلام (المشروط) يحتج بأن المساجد التي نصت عليها الشروط قد هدمها الفرنسيون وأهانوها، بينما بيع اليهود التي لم تنص عليها الشروط قد أبقاها الفرنسيون واحترموها وزادوا منها.

ومن هذه المراعاة الفرنسية الموقف من المدارس. لقد كان اليهود في


(١) بيير قوانار (الجزائر)، ص ٢٩٧.
(٢) في الأصل (ولم يهدم له ملك).
(٣) مذكرة حمدان خوجة إلى رئيس الوزراء الفرنسي، سنة ١٨٣٣، انظر قنان (نصوص)، ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>