فأظهروا لهم العطف ومكنوهم من المعاملة وقربوهم إليهم في كل ما أحدثوه، ورفعوا عنهم الضيم، وشاوروهم في الأمور، وأصبح منهم أعضاء في كل مجلس وكل لجنة وكل محكمة كعنصر لا غنى عنه في المجتمع. ويجب القول هنا إن اليهود لم يكونوا على رأي واحد في هذا التصرف، ولكننا نتكلم هنا على سير الأحداث العامة. كما يجب القول إن الفرنسيين لم يكونوا أيضا مخلصين في معاملتهم لليهود، ولكنهم كانوا في أشد الحاجة إلى جهة وسيطة وهي الجهة التي كانت في نظرهم (مضطهدة) في العهد التركي، واعتقدوا أنها ستخلص لهم وتمحضهم النصيحة.
كان عدد اليهود قليلا ولكنهم كانوا نشطين وفعالين، ففي مدينة الجزائر كان عددهم حوالي أربعة آلاف، عند الاحتلال. وقد بلغ أكثر من ستة آلاف (٦,٦٥٥) سنة ١٨٣٨. وخلال العشرية الأولى للاحتلال كان عددهم غير متوازن في المدن، لا سيما تلك التي جرت فيها المعارك وانسحب منها المسلمون كعادتهم. فبينما ذكر أن عدد اليهود في وهران عند الاحتلال كان ضئيلا (حوالي ألف) وجدنا العدد قد ارتفع بعد استقرارها في يد الفرنسيين إلى أكثر من ثلاثة آلاف (٣، ٣٦٤) سنة ١٨٣٠. وفي عنابة كان عدد اليهود في هذه السنة ٤٢١ فقط، بينما لم يكن في مستغانم وبجاية يهود على نفس العهد (١).
كما كان اليهود في العهد العثماني يتمتعون بنظامهم الديني والاجتماعي. وكانوا يتحدثون العربية الدارجة، ولهم مدارسهم الخاصة التي تعلم العبرية، وكانت لهم محاكمهم وربيوهم، ولباسهم وتقاليدهم ومواسمهم الدينية المعترف بها كأهل كتاب. ويقول أحد المعاصرين إن اليهود سنة ١٨٣٠ كانوا (عربفون) أي يتحدثون العربية، ويظهر عليهم الطابع
(١) السجل (طابلو) سنة ١٨٣٩، ص ٥٥. بينما تذكر إحصاءات عشية الثورة الجزائرية ١٩٥٤، أن عدد اليهود في الجزائر قد أصبح ١٢٠,٠٠٠، وكلهم كانوا يتمتعون بالجنسية الفرنسية. انظر لويس ماسينيون (الحولية) سنة ١٩٥٤، باريس، ١٩٥٥، ص ٢٣٠.