سكوت الانكشارية التي كانت تهدد بالثورة. ومن جهة أخرى فقد ثبت للسلطات الجزائرية أن اليهود كانوا يعملون لحساب دول أوروبية أيضا مثل فرنسا، ذلك أن (تاليراند) وزير الخارجية، كان يحمي مصالح اليهود في أوروبا لأغراض سياسية واقتصادية لمصالح فرنسا.
ولعل ما يكشف عن توغل اليهود في شؤون الجزائر هو رقابتهم لأنواع العملة الداخلة إلى خزانة الدولة، فقد كانوا في العهد العثماني هم الذين يزنونها ويفحصونها ويحكمون بزيفها أو أصالتها، سواء كانت ذهبية أو فضية. ومن ثمة كانوا على علم بكميتها وقيمتها في الصعود والهبوط، حسب الأسواق الدولية. وقد ظلوا يتمتعون بهذه الثقة حتى عندما كانت تحدث الأزمة بينهم وبين بعض الدايات. وكان الذي رشحهم إلى هذه المهنة الدقيقة جدا، هو خبرتهم بالعملات من جهة، وكونهم في نظر السلطة لا يشكلون خطرا من جهة أخرى، إذ هم كأقلية لا يهددون بثورة أو طموح في حكم. ولكنهم كانوا غالبا محل رقابة شديدة. ومع ذلك فمن قال إنهم كانوا في منتهى النزاهة والأمانة والخبرة؟ والمعروف أن الأمير عبد القادر كان يستعمل عددا من أعيان اليهود في مختلف شؤونه، ومنها الترجمة، والنيابة عنه في التفاوض مع الفرنسيين والجوسسة والتجارة، وغيرها. وتوجد عدة مراجع تحدث عن ذلك.
ورغم هذه (الحظوة) التي كان اليهود يحظون بها في الجزائر على المستوى الرسمي وحتى الشعبي، فإنهم بادروا إلى الترحيب بالفرنسيين وسارعوا إلى التعامل مع رجال السلطة الجديدة، مظهرين الاستعداد لكشف أسرار المسلمين والفرح بزوال حكم الترك، حسب التعبير الشائع عندئذ، رغم أن قضية ديون اليهود مع فرنسا هي التي كانت السبب المباشر في الاحتلال، كما أشرنا. كما أظهر اليهود التشفي بالمسلمين على إثر الانتقامات التي ارتكبها الفرنسيون ضدهم كاغتصاب المنازل والقصور، والاعتداء على المساجد والمقابر، ونفي الأعيان من البلاد. وقد ظهر اليهود في هذه الأثناء على أنهم هم الخبراء (الوسطاء) بين المسلمين والفرنسيين، فكانوا هم التراجمة والتجار والأدلاء. وقد عاملهم الفرنسيون على قدر استعدادهم أيضا،