للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمس سنوات حتى صدر قرار أدولف كريميو بتجنيس يهود الجزائر دفعة واحدة. وكان كريميو يهوديا ووزيرا للداخلية في حكومة بوردو سنة ١٨٧٠، وطالما طالب سابقا، وهو خارج الحكومة، بتجنيس اليهود، وكذلك بادر كوزير إلى إنقاذ أهل دينه، في نظره، بمنحهم الجنسية والمواطنة الفرنسية التي تعطيهم كامل الحقوق السياسية والمدنية. وبينما كانت المستعمرات، ومنها الجزائر، تعاني من ويلات الاستعمار الذي انطلق منذئذ في قمع الشعوب بقسوة ونجا يهود الجزائر (الأندجين) سابقا من ذلك القمع، بل وارتفعوا إلى حالة المواطنة وأصبحوا فئة محظوظة وسط الأهالي الآخرين، بل أصبحوا في نظر بقية السكان (مستعمرين) كالفرنسيين تماما، وأصبحوا حكاما مطاعين، بيدهم الحل والعقد، والأمر والنهي، والسياسة والاقتصاد. والمثل يقول: ويحك من الضعيف إذا عز!

لم يرحب كل اليهود بقرار كريميو بالتجنس الجماعي الذي لم يستشاروا فيه. ولكن أغلبيتهم رضيت به، ورأته وسيلة للسلطة والملك ورفع الرأس والتحرر والخروج من المعاملة الخاصة. وربما لم يفكر هؤلاء عندئذ في الحركة الصهيونية ولا نشأة إسرائيل ولا في ظهور هتلر ولا ثورة الجزائر. ذلك أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يتكهن به إلا قليل من العباقرة، ولكن سنن الطبيعة كانت تقتضي أن دوام الحال من المحال وأن العاقل من فكر في البعيد لا في القريب. وحتى اليهود الذين تحفظوا أول مرة من قرار كريميو رضوا به بعد ذلك ورأوه فرصة ذهبية يجب اغتنامها. وهكذا أصبح الفرنسيون في الجزائر واليهود متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون، وبقي المسلمون وحدهم في الدرك الأسفل، رعايا فرنسيين، محرومين محتقرين مستغلين أبشع استغلال، تحكم عليهم محاكم الصلح الجائرة طبقا لقانون الأندجينا وتسلط عليهم سياط المتصرفين الإداريين في البلديات المختلطة.

واستقبل الرأي العام الفرنسي في الجزائر قرار كريميو بمشاعر مختلطة. بعضهم قبله كأمر واقع، وبعضهم نظر إليه على أنه ضربة لمصالحهم الاقتصادية والسياسية. حقيقة أن يهود الجزائر لن يشكلوا خطرا سياسيا على

<<  <  ج: ص:  >  >>