وليس لدينا دراسة شاملة ودقيقة عن تجنيد الحركة الصهيونية ليهود الجزائر. فلا نعلم متى بدأ تغلغلها بينهم، ولا متى بدأت نشاطها ولا مدى نجاحها أو فشلها. وهناك مسألتان نذكرهما هنا، الأولى هي صلة الماسونية بالصهيونية. والثانية وجود نشاط صهيوني بارز خلال الثلاثينات في الجزائر. أما المسألة الأولى فلا نطيل فيها لأنها أصبحت معروفة ومدروسة، وإنما نريد أن نذكر أن الماسونية قديمة في الجزائر قدم الاحتلال، إن لم تكن قد سبقته. ذلك أن بعض قادة الجيش الفرنسي وبعض السياسيين الذين نفتهم الحكومة الفرنسية كانوا أعضاء في الماسونية. وقد تأسست محافل وفروع ورموز لهذه الجمعية (أو التنظيم) السرية منذ أوائل الاحتلال، وتطورت وتشعبت كلما تطورت المدن وتمركز السكان وظهرت الصحف والنوادي والجمعيات، وانتشر التعليم.
أما المسألة الثانية فنقول عنها إن الحركة الصهيونية التي تشكلت رسميا في آخر القرن الماضي، قد تسربت إلى الجزائر عن طريق أجهزة الإعلام وتكوين العملاء في مختلف المدن والنوادي، وربما لم تجد الطريق ممهدة كما في فرنسا وأوروبا، ولكنها مع ذلك استطاعت أن تبني جسورا بينها وبين اليهود في الجزائر كما فعلت مع اليهود في فرنسا. ولا نعرف الآن ما موقف السلطة الفرنسية المحلية منها، لأن السياسة الفرنسية عادة تختلف في الأرض الفرنسية عنها في المستعمرات. ويقول السيد قوانار: إن الحركة الصهيونية هي التي نشطت اليهودية إذ حققت لليهود اعتزازهم بذاتهم، وزادتهم حرب الجزائر، حسب تعبيره، حماسا، وهي الحرب التي أدت إلى هجرتهم الجماعية. وهو يقول إن مدرسة الربيين كانت مفتوحة في بوزريعة قبل الهجرة اليهودية من الجزائر. والواقع أن (حرب الجزائر) لم تؤد إلى هجرة اليهود
(١) قوانار (الجزائر)، مرجع سابق، ص ٢٩٧ - ٢٩٨، في هذا المصدر بعض الإحصاء ات عن تناقص التلاميذ في الاتحاد الإسرائيلي بين ١٩٠٠ و ١٩٥٨.