يلقون بالعربية الفصيحة ولكن بالعربية المتفاصحة. ولو كان تفسيرا للقرآن بالفصيح وبالأسلوب العالي ربما لم يتابعهم فيه إلا القليل. ولكننا كباحثين عن الدليل لا نستطيع أن نحكم على قيمة هذا الجهد، لأن النص المكتوب يعوزنا. حقيقة أن هذا الجيل من المفسرين الشفويين قد أدى دوره وبلغ رسالته عن طريق الكلمة الناطقة، وكون شبابا وبعث شعبا كاملا بوسائله البيانية غير القلم، ولكن تجربته ستظل محدودة في الزمن، لأنها توقف بتوقف اللسان عن البيان.
كان الشيخ العربي التبسي من هؤلاء المفسرين أيضا. بدأ ذلك بعد رجوعه من دراسته في الأزهر الشريف. كانت دروسه في الجامع الكبير بتسبة. وقيل إنه بدأ التفسير للعامة ولمن حضره من الخاصة، من السور القصار وتنقل منها إلى البقرة. وكانت ثقافته الدينية الواسعة تؤهله لهذه المهمة، فقد كان مطلعا على التفاسير وعارفا بأحوال العصر ومقتنعا بدور العالم في هذا المجال. فكان يتخذ من التفسير وسيلة للدعوة إلى التقدم والنهوض، لأن القرآن في أساسه يدعو إلى ذلك. وكان يعتمد منهجا معينا، يقوم على شرح الألفاظ واستخراج المعاني وتطبيقها على الواقع. ولذلك كانت الدعوة إلى الاتحاد والتقدم واليقظة هي الغاية، وكذلك الدعوة إلى نبذ البدع، والعمل بما جاء به القرآن. إن التبسي لم يستمر في مكان واحد، فقد تنقل من تبسة إلى غيرها من مدن الغرب ثم قسنطينة ثم العاصمة. ولكنه لم ينفك عن إلقاء دروس التفسير ومواصلة ما بدأه إلى أن ختمه في آخر سنة ١٩٥٦. وكان ذلك قبل استشهاده ببضعة أشهر فقط. وقيل إن تدريسه للتفسير دام اثنين وعشرين سنة (١).
وخلافا لبعض معاصريه كان الشيخ العربي التبسي يكتب أيضا في البصائر وغيرها. وكان يتناول في دروسه الوعظية وفي خطبه الدينية آيات من
(١) دبوز (أعلام) ٢/ ٤٤. جمع أحمد الشرفي الرفاعي بعض آثار الشيخ العربي التبسي. وسماها (مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر) قسنطينة، دار البعث، ١٩٨١. ولا ندري إن كان منها دروس في التفسير.