للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقوم بها العلماء الأحرار. وأثناء إلقاء ابن باديس درسا في التفسير بجامع سيدي عقبة قام له أحد المدرسين وأحدث ضجة وأعلن أنه لا فائدة من التفسير، والأولى منه درس في مختصر الشيخ خليل بن إسحاق في الفقه (١).

ولكن هذا الرأي لم يكن هو الأساس دائما، فقد وجدنا بعض العلماء الرسميين والمتصوفة قد فسروا آيات من القرآن الكريم بطريقتهم وحسب فهمهم. ولا شك أن ظهور الحركة الإصلاحية ونمو التيار الوطني السياسي، قد شجعا هؤلاء على الخوض في التفسير أيضا. كما أن الحكومة الفرنسية قد تغاضت عن ذلك حتى تترك للمناقشة طريقها، لأن نشاط علماء الاصلاح قد أظهر عجز علماء الإدارة ورجال التصوف عن مواكبة الركب السياسي والثقافي.

يذكر بعض مؤرخي الثقافة أن محمد معنصر الميلي بدأ تدريس التفسير سنة ١٩١٨ في الجامع الكبير بميلة، مبتدئا من سورة الفاتحة والبقرة. وكان له جمهور كيف. وكان هو من مزدوجي اللغة، ولكن ثقافته العربية كانت أقوى فيما يبدو، وقد درس في مسقط رأسه ثم قسنطينة، وتوظف رسميا، ثم ترك ذلك الوظيف واشتغل بالتدريس الحر، مكرسا جهده لتفسير القرآن الكريم. وقد قيل إنه كان ينزع إلى استخراج المعاني الجديدة من الآيات التي يفسرها، ويتعمد ذكر الأمراض الاجتماعية. ولكننا لا نعرف عنه ذلك إلا من خلال وصف تلاميذه وبعض معاصريه، أما الحقيقة فاننا لا نعرف طريقته ولا أسلوبه في التفسير، ولا أين انتهى فيه (٢).

جمهور هذا النوع من المفسرين كان من العامة في أغلب الأحيان. إنه جمهور التجار والفلاحين، وبعض المتعلمين والطلبة، ولذلك كان عليم أن يتبسطوا في اللغة والمعاني، وأن يتناولوا موضوعات ذات صلة بهذا الجمهور مثل العقائد المزيفة والأمراض الاجتماعية والمعاملات. ولا ظن أنهم كانوا


(١) مبارك الميلي (رسالة الشرك)، ط. ٢، ١٩٦٦، ص ٣٦ - ٣٧.
(٢) انظر عنه فصل التعليم العربي - الإسلامي. وكذلك محمد علي دبوز (أعلام الإصلاح) ٣/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>