للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقليديين. ولكن دروسهم لم تكتب ولم تنشر. ولا وضعوا منهاجا لتفسير كل القرآن أو جزء منه على نحو معين (وسنتكلم على من حاول ذلك منهم بعد قليل). إن ما نريد الإلحاح عليه هنا هو أن تفسير القرآن شفويا كان حجر الزاوية والمنطلق لمعظم دروس العلماء الأحرار خلال هذه الفترة. وكما كان الجيل الذي قبلهم يتفادى التفسير المنظم ويكتفي بدروس الفقه خوفا أو عجزا، كان هذا الجيل من العلماء الأحرار أكثر جرأة متخذين من تفسير القرآن غطاء دينيا لإبعاد أنظار السلطات الفرنسية عنهم. كما أنهم كانوا ربما أوسع ثقافة من زملائهم السابقين، فكانت جرأتهم لا تتمثل فقط في الدعوة إلى الاصلاح ومهاجمة الخصوم ولكن في اعتزازهم الثقافي وتمكنهم من التراث واتقان اللغة التي حرم منها زملاؤهم.

غير أن التفسير لم يكن مقبولا عند كل العلماء، فبعض هؤلاء كانوا يفضلون دروس الفقه والتوحيد على دروس التفسير. ذلك أن كتب الفقه والتوحيد تضع لهم منهاجا لا يخرجون عنه. والحكومة الفرنسية قد سمحت لهم بذلك لتعليم العامة قواعد العبادات وصفات الله. أما تفسير الآيات من القرآن الكريم فهو يحتاج إلى رخصة رسمية، وعلى المدرس أن يختار الآيات التي تناسب المقام، وأن يتقيد بالمرخص فيه في الرأي والاستنتاج. ثم إن التفسير ليس مؤطرا كالفقه والتوحيد، بل يحتاج إلى (اجتهاد) المدرس إلى حد كبير، وذلك لم يكن متوفرا لفئة العلماء الرسميين إلا ما ندر منهم.

ولذلك نقرأ في (رسالة الشرك) لمبارك الميلي أخبارا غريبة عن موقف بعض الكتاب والمدرسين من التفسير. فقد قال الميلي إن بعض العلماء والمتصوفة قد عارضوا دروس التفسير بدعوى أن صوابه خطأ وأن خطأه كفر. ونادى بعضهم بالاكتفاء بما ألف الأوائل من تفاسير، وكانوا يخافون من (الاجتهاد) في هذا المجال. ومما يذكر أن بعضهم قد كتب في جريدة (النجاح) ان الرجوع إلى الكتاب والسنة ضلال مبين وخسارة كبيرة!. وعارضت بعض الزوايا دروس التفسير في المساجد، وهي الدروس التي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>