محمود شاكر. وأخبرنا هذا أنه كان قد وقع في ما وقع فيه مالك بن نبي من القلق، وأنه فكر في نفس المنهج، ولكن ابن نبي استطاع أن يعبر عن قلقه وأن يصدر كتابه بمنهج جديد، بينما بقي شاكر في حيرته إلى أن اطلع على هذا الكتاب. يقول شاكر إنه بعد قراءته للظاهرة القرآنية وجد نفسه (يسير في دروب قد طال عهدي بها). وفي نظره أن ابن نبي لم يؤلف الكتاب (إلا بعد أن سقط في مثل الفتن التي سقطت فيها من قبل، ثم أقال الله عثرته بالهداية، فكان طريقه إلى المذهب الصحيح هو ما ضمنه كتابه من بعض دلائل إثبات إعجاز القرآن وأنه كتاب منزل). وفي نظر الشيخ شاكر أن المنهج الذي سلكه ابن نبي يستمد أصوله من تأمل عميق في طبيعة النفس البشرية وفي غريزة التدين عند الانسان وفي تاريخ المذاهب والعقائد التي توصف بالتناقض أحيانا. ومن جهة أخرى استمد منهج ابن نبي أصوله من الفحص الدائم في تاريخ النبوة وخصائصها وفي سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم في القرآن الكريم على أنه كلام الله وليس من كلام البشر.
إن معركة الدين والعلم، والعقل والشك، وصراع الثقافات والأفكار ليست جديدة، فقد جربها علماء الإسلام منذ عهود غابرة. وقد شهد عصر ابن نبي حرب الثقافات. وإذا كانت حروب الاستعمار بطريق الغزو والغلبة قد انتهت أو خفت، فإن حرب الثقافات أو ما يسميه ابن نبي (صراع الأفكار) ما يزال على أشده. (وهو أخطر المعركتين وأبعدهما أثرا، على تقويض الحياة الإسلامية والعقل الإسلامي. كما استنتج الشيخ شاكر. ويتجه الاهتمام بدور التكوين في الجامعات الأجنبية وتأثير الدراسات ووسائل الإعلام الغربية وأعمال المستشرقين على شباب العالم الإسلامي، وإخراج نماذج منهم جنودا لهم في هذا الميدان، يعملون عن علم أو جهل على تعتيم الحياة الإسلامية والعقل الإسلامي. ومن ذلك إدخال المستشرقين الشك في الأصول القديمة التي قامت عليها أدلة إعجاز القرآن وتدمير الوسائل الصحيحة للتوصل إلى ذلك.
فهل نفهم من هذا أن كتاب الظاهرة القرآنية هو إثبات إعجاز القرآن