يجيزون تلاميذهم الذين سيصبحون (مقدمين) عنهم بعد الملازمة والاطمئنان إلى جدارتهم في تمثيل الطريقة.
هذا من الناحية النظرية التقليدية. ولكن من الناحية العملية، فان هذه الشروط قد اختلت في معظمها. فقد أصبحت الإجازة تمنح بدون شروط الحضور والملازمة والجدارة، بل كانت تمنح بالمراسلة والسماع. وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء الثاني. وكذلك ضعفت عارضة العلماء واكتفى الطلبة بالأسماء والأوراق دون العلم نفسه. واستكثروا السفر وتحمل المشاق في سبيله. كما أن العلماء والمتصوفة أصبحوا يبحثون عن السمعة وتكثير السواد، وقل منهم من يلتزمون بالشروط العلمية والأخلاقية المطلوبة في تلاميذهم.
والإجازات التي نريد تناولها كثيرة ومتنوعة. منها ما تبادله الجزائريون فيما بينهم، ومنها طبعا الإجازات العلمية والإجازات الصوفية. كما أن هناك الإجازات التي منحها جزائريون لغيرهم والتي منحها غيرهم لهم. وكثير من نصوص الاجازات تعوزنا، وهي وإن توفرت لا تدل على باع طويل في هذا العلم وإنما هي في أغلبها كلمات قصيرة وعبارات متكررة. وقد اختفى منها الأسلوب القديم الذي ظهر عند بعض المجيزين عندما كانوا يجتهدون ويتفردون في تنميق إجازتهم حتى تصبح قطعة أدبية راقية، بالإضافة إلى فائدتها العلمية والتاريخية. ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن ضعف الأساليب يرجع إلى ضعف التعليم والثقافة، كما أن كرة الإجازات يدل على ابتذالها.
وقد يستغرب المرء كيف نتحدث عن الإجازات العلمية والصوفية والحال أن إطارات العلم قد انقرضت أو كادت وأن المؤسسات التي تخرج العلماء قد هدمت أو غيرت. والواقع أن ذلك أمر ملفت للنظر حقا. ولعل ضعف الثقافة ومحاربة اللغة العربية هو الذي جعل من بقي في الحياة العلمية والصوفية ينشدون الدعم من غيرهم عن طريق الإجازات. فقد كان