للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائر التي زارها كما عرفنا، أواخر القرن العاشر (١٦ م) (وطلبة العلم بها لا بأس بهم إلا أن حب الدنيا وإيثار العاجلة والافتتاف بها غلب عليهم كثيرا) (١) وقد أبدى شو نفس الملاحظة، بعد أكثر من قرن، على العثمانيين في الجزائر حين قال إنهم يجرون وراء التجارة والفرص المالية ولم يكن يعنيهم العلم وأهله. ولذلك غلبت التجارة على عدد من شيوخ العلم، كما سنرى، فكان المفتي الشيخ سعيد قدورة، رغم منصبه العلمي، يتاجر بماله مع بعض التجار (٢)، وكان ابن حمادوش يجمع بين العلم والتجارة، وكذلك محمد النقاوسي الذي حدث عنه الفكون (٣)، وحمودة المقايسي الذي عدل عن مهنة التدريس وتعاطي صناعة المقايس (الأساور) التي نسب إليها، ومع ذلك مات فقيرا (٤).

والإلحاح على النقطة السابقة يشير إلى التضحية بالتعليم في سبيل الرزق من أوجه أخرى، ذلك أن ممتهن التعليم إنما كان يلجأ إليه إذا لم يجد غيره من وسائل العيش، أو إذا كان فقط يرضي ضميره الديني والصوفي كما كان يفعل أهل الزوايا في الأرياف (٥). ولذلك يمكن القول بأن انتشار التعليم الذي تشير إليه بعض المصادر إنما المقصود به التعليم الابتدائي وليس التعليم الثانوي أو العالي. فإذا قال بعضهم انك لا تكاد تجد في الجزائر من لا يعرف القراءة والكتابة فالمقصود بذلك المستوى الأدنى من التعليم أو محو الأمية، أما التعليم الحي الذي يعني رقة الثقافة والتعمق في المسائل وتكوين الرأي المستقل وتذوق المعارف والذي يشبع الفضول والنهم الإنساني إلى المجهول


(١) التمغروطي (النفحة)، ١٣٩.
(٢) نور الدين عبد القادر (صفحات) ٢٧١ نقلا عن ابن المفتي.
(٣) عبد الكريم الفكون (منشور الهداية)، مخطوط.
(٤) أبو القاسم الحفناوي (تعريف الخلف) ٢/ ١٤٠.
(٥) ليس صحيحا أن أهل الزوايا كانوا لا يهتمون بالثروة. فإذا عدنا إلى ترجمة حياتهم ونمو زواياهم وجدنا أكثرهم قد جمع أموالا طائلة واشترى أراضي شاسعة وعاش عيشة هنية راضية.

<<  <  ج: ص:  >  >>