للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين يؤمنون بآياتنا، إذا لم يصلوا إلى اقتطاف أثمارها، تركوها في زوايا أماكنها، إلى أن يبلغوا أشدهم، ويستخرجوا كنزهم، وما قيدتها لمن يقول هذا إفك قديم وأساطير الأولين) (١). ومن الواضح أن كتب المواقف (لإخوانه) الصوفية أو الذين لهم استعدادات صوفية، مؤمنين بمبادئ أهل الباطن ذوي اللقاءات السبوحية والعلوم الوهبية والأسرار الغيبية. أما من يكذب بذلك ويعتبره من الأساطير فالمؤلف غير مهتم بهم، بل يعتبرهم من الجاهلين الذين يكتفي بقوله لهم سلاما، كما ورد في الآية.

آمن الأمير بوحدة الوجود تبعا لشيخه ابن عربي. وهو يتمنى أن يكون إيمانه كإيمان العجائز. ونفهم من المعلومات التي تضمنها كتاب المواقف أن فكر الأمير قد طور كثيرا عما كان عليه. فمن الاهتمام بالسياسة والشؤون العسكرية والفقه والحديث والتفسير إلى الاهتمام بعلوم القوم. فمتى حدث هذا التحول ولماذا؟ أما زمنه فهو وسط الستينات وبالضبط عند حجته الثانية ومجاورته بالحرمين وأخذه الطريقة النقشبندية على شيخه محمد الفاسي. ونحن نعلم أنه كان قد تربى على والده في القيطنة وتخرج من تراث الأسرة والطريقة القادرية، ومن تراث الحضارة الإسلامية المتمثل في المخطوطات الفلسفية والصوفية والأدبية والتاريخية المخزونة في مكتبة والده. وقد شغلته المقاومة الوطنية سبعة عشر عاما، ثم سنوات السجن بفرنسا حوالي خمس سنوات، وسنوات بروسة حوالي ثلاث سنوات. ثم حدثت أزمة الشام سنة ١٨٦٠، فبرز فيها الأمير كمدافع عن الحق وحقوق الإنسان والتسامح. ولفت إليه الأنظار من جديد، فبعد أن كان معروفا، ببطولاته العسكرية واستماتته في الدفاع عن وطنه ودينه ضد دولة أجنبية معتدية، أصبح منذ ١٨٦٠ معروفا بموقفه الإنساني في حماية من ليسوا على دينه ولا في وطنه الصغير. وحظي من أجل ذلك بالأوسمة والهدايا ورسائل الشكر من عظماء الدول ورموزها.


(١) (المواقف) المجلد الأول، ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>