وإن شرا فشر. ورغم أن مهنته كانت تعتبر من أشرف المهن وأقربها إلى الدين والجهاد في سبيل الله فإنها أيضا تعتبر من أكثر المهن فقرا لصاحبها وجلبا للتعاسة والبؤس له، كما سبق.
كان المعلمون صنفين: معلمو المدن ومعلمو الأرياف، وفي كلا الحالتين هناك درجتان للمعلم فهو مؤدب للصبيان إذا كان يباشر التعليم الابتدائي المتصل إلى أن يبلغ الطفل المراهقة، وهو معلم أو مدرس إذا كان يباشر التعليم للفتيان من تلك السن إلى العشرين ونحوها، ثم هو أستاذ أو شيخ إذا كان يدرس لما فوق ذلك من الأعمار والمستويات. وقد كان الواقف أو أهل الحي هم الذين يختارون مؤدب الصبيان في المدن، وأحيانا تختاره العائلة التي سيعلم لها أطفالها، وخصوصا البنات، تعليما خاصا. فقد عرفنا من دراستنا للأوقاف أن بعض الواقفين كانوا يوقفون على تعليم القرآن وإنشاء الكتاتيب ويشترطون أحيانا أن يكون المؤدب من العثمانيين أو من أهل الأندلس أو من الشرفاء ونحو ذلك من الشروط، فإرادة الواقف هنا لها الأولوية، كما أن أهل الحي لهم الأولوية في اختيار من سيؤدب لهم أطفالهم. فهم الذين سينفقون عليه ويترددون عليه لمرافقه أطفالهم واستشارته في بعض المسائل الدينية. وهم لذلك يختارونه من أهل التقى والصلاح والضمير الاجتماعي، وقد يشترطون فيه الزواج والأخلاق الفاضلة، ومن الطبيعي أن يكون حافظا للقرآن الكريم معروفا بأداء الصلوات وأنه يكتب ويقرأ الرسائل ونحوها.
وبشبه مؤدب الريف مؤدب المدينة إلى حد كبير، ولكن يختلف عليه في بعض التفصيل، فأهل الدوار أو القرية الصغيرة يختارون مؤدب أطفالهم بطريقة مشابهة غير أن حاجتهم إلى المؤدب في شؤون أخرى غير تحفيظ القرآن أكثر من حاجة أهل المدينة، فهم يستفتونه في شؤون الدين ويستكتبونه العقود ونحوها ويلجأون إليه عند الفتن والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. فهو محل تقديرهم وثقتهم، وهو إمامهم في الصلوات أيضا. وهو يختلف عن مؤدب المدينة من كون صلته بالأهالي أشد وأقوى لأن معيشته تتوقف