على رضاهم ولأن سلوكه الخارجي معروف للجميع. والمؤدب في كلا الحالتين (في المدينة وفي الريف) يعلم الصبيان في الكتاب أو في الشريعة أو في مسجد القرية. ومن حق الأهالي، في كلا الحالتين أيضا، إعفاء المؤدب من وظيفته واختيار غيره إذا اقتضى الحال. كما أن بعض الآباء كانوا ينقلون أطفالهم من كتاب إلى آخر إذا شعروا بأن مؤدب الكتاب الأول لا يؤدي وظيفته كما ينبغي (١).
أما المعلمون والمدرسون فهم موظفون في الغالب، كما سبقت الإشارة، وخصوصا في المدن. وتسميتهم في هذه الوظيفة تأتي من حكام البلاد أنفسهم. فإذا كانوا في العاصمة فالتسمية من الباشا أو من خليفته، وإذا كانوا في الأقاليم فإنها تأتي من البايات أو من قائد الدار (حاكم المدينة). والتسمية الرسمية تضمن للمعلم أو المدرس أجرا ثابتا من الأوقاف وهدايا وعطايا خلال مناسبات معينة، وتضمن أيضا جزءا من الغنائم ونحوها، كما سنرى، ولذلك كان التنافس شديدا على هذه التسمية، وقد يلجأ الطموحون من المدرسين إلى استعمال وسائل غير لائقة للوصول إلى أهدافهم، وكانوا يعتبرون محظوظين إذا تحصلوا على التسمية في هذه الوظيفة، ولكن البقاء في وظيفة التعليم غير قار ولا مضمون، فهو متوقف على عوامل منها سمعة المعلم بين الناس ووفرة الوقف المخصص لذلك والظروف السياسية، أما المعلمون والمدرسون في الأرياف فهم أكثر حرية من زملائهم لأنهم لم يكونوا يخضعون لتسمية رسمية، ومن ثمة كان رزقهم غير مقيد بالوقف ونحوه، وقد يشترك معهم في هذه الحرية بعض مدرسي ومعلمي الزوايا في المدن، ومهما كان الأمر فإن المعلم أو المدرس كان يمارس مهنته في المساجد والزوايا والمدارس المخصصة للتعليم الثانوي.
وكان بعض رجال الدين يجمعون التدريس إلى وظائفهم الرسمية
(١) ذكر ابن حمادوش في رحلته أنه نقل ابنه من مكتب العمالي إلى مكتب الشماعين وأنه كان قد قطع مرحلة في التعليم حتى وصل إلى (قد سمع الله) فبدأ من الأول في الكتاب الجديد. وفي ذلك مضيعة لعمر الطفل ونقود أهله.