الكبيرة كالإفتاء والقضاء. وفي هذه الحالة يصبحون هم كبار الأساتذة في البلاد لأنهم في الغالب من ذوي الخبرة والتبحر في المسائل العلمية. ولذلك يصبح التعليم الذي ينشرونه نوعا من التعليم العالي، رغم أنه لم يكن يسمى كذلك، وكانت حلقات درسهم موئل الطلبة والعلماء الآخرين الذين يرغبون في زيادة معارفهم ونيل الإجازات بعد ختمة البرنامج، وكانت شهرة الأستاذ وتخصصه في فرع معين وفصاحة لسانه هي التي تجلب إليه الطلبة حتى تتضخم الحلقة التي يتصدرها في الجامع فيغطي بذلك على بعض زملائه ويسكت خصومه، وكان هذا المستوى من التعليم يعطى في الجوامع الكبيرة الموجودة في كل مدينة، أما في الأرياف فموضعها هو الزوايا، وأساتذتها أحرار كما أسلفنا لا يخضعون لتسمية المسؤولين، وغالبا ما يكون أساتذة الزوايا من المرابطين الذين تفرغوا لنشر التعليم على طريقتهم.
وقد اشتهر في كل عصر وفي كل مدينة عدد من المدرسين والأساتذة، وسجلت كتب السيرة أخبارهم وأخبار من أخذ عنهم ومدى سمعتهم بين الناس وبين أهل السلطة، ونحن لا نريد أن نكرر أسماءهم هنا وحسبنا أن نحيل على بعض الكتب التي تتناول الكثير منهم مثل (البستان) لابن مريم و (مطلب الفوز والفلاح) للبطيوي، و (منشور الهداية) للفكون، ورحلة الورتلاني، ورحلة أبي راس، وتاريخ ابن المفتي. ونحب أن ننبه إلى أن بعض هؤلاء المؤلفين قد بالغ في وصف الأساتذة وخلط بين قدرتهم على التدريس وبين تصوفهم، ولكن مؤلفاتهم على كل حال تظل مصدرا أساسيا لدراسة مشاهير الأساتذة في الجزائر في العهد العثماني على طوله. ولنشر إلى أنه قد زار الجزائر في القرن الحادي عشر (١٧ م) العالم التونسي أحمد بن مصطفى برناز وقرأ على بعض أساتذتها فذكر أن ممن درس عليهم في عنابة الشيخ أحمد بن ساسي البوني والشيخ المفتي الصديقي. وفي قسنطينة الشيخ المفتي بركات بن باديس والشيخ علي الكماد والشيخ عبد اللطيف الكماد، وفي مدينة الجزائر قرأ على الشيوخ رمضان بن مصطفى