للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في (الموقف) الأول قوله: (إن الله قد عودني أنه مهما أراد أن يأمرني أو ينهاني أو يبشرني أو يحذرني أو يعلمني علما ... إلا ويأخذني مني مع بقاء الرسم، ثم يلقي إلي ما أراد بإشارة آية كريمة من القرآن، ثم يردني إلي فأرجع بالآية قرير العين ملآن اليدين، ثم يلهمني ما أراد بالآية). ثم يقول: (وأتلقى الآية من غير حرف ولا صوت ولا جهة، وقد تلقيت، والمنة لله تعالى، نحو النصف من القرآن بهذه الطريقة. وأرجو من كرم الله تعالى أن لا أموت، حتى أستظهر القرآن كله، فأنا بفضل الله محفوظ الوارد في المصادر والموارد، ليس للشيطان علي سلطان ...) (١). وهذا يعني أنه كان يتلقى القرآن وحيا وإلهاما أثناء غياب روحه وبقاء رسمه في لحظات معينة. ولا ندري إن كان قد حقق الله رجاءه فحفظ القرآن كله بطريق الوحي والإلهام، كما تمنى. والآن التي بدأ بها (الموقف) الأول هي قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.

أعلن الأمير أنه يرحم من خالف قوله، وقرر ألا يجادل هذا الصنف من الناس (من علماء الرسم، القانعين من العلم بالاسم)، وغيرهم. وهو يعذرهم لأنه جاءهم بأمر مخالف لما تلقوه من مشائخهم المتقدمين، وما سمعوه من آبائهم الأولين، فالأمر عظيم والخطب جسيم، والعقل عقال، والتقليد وبال، فلا عاصم إلا من رحم ربي) (٢). وهو يعترف أن طريقة فهم التوحيد التي آمن بها مختلفة عما اعتاده الناس الذين يتلقون العلم من المتكلمين والحكماء المعلمين، ولكنها طريقة أخرى مختلفة وهي (طريقة توحيد الكتب المنزلة، وسنة الرسل المرسلة، وهي التي كانت عليها بواطن الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين والسادات العارفين). وعلى إثر ذلك جاء بالمقامة الصوفية التي أشرنا إليها والتي استوحاها من مسامرة لأهل الظرف ومن نادى العارفين فدار بينهم حديث ذو شجون، إلى أن تكلم عريف الجماعة فحدثهم بحديث هو أغرب من حديث عنقاء مغرب، وقد أسميناها


(١) (المواقف) ١/ ٢٦، ١٦١، ١٦٢.
(٢) (المواقف) ١/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>