بونار بعنوان (مجاعات قسنطينة). والعنتري كان متعلما شابا. وخطاطا عندما احتلت قسنطينة، فتوظف بالإدارة الفرنسية الجديدة كاتبا. ومن خلال عمله اطلع على وثائق كثيرة في التجارة والاقتصاد وغيرها من المعاملات. ثم عاش إلى أن وقعت: أحداث هامة، سيما مجاعات (نكبات) ١٨٦٧ - ١٨٦٩. وقد أرخ لذلك، وإذا شئت سجل ذلك من أوراقه وذكرياته في رسالته الصغيرة التي نحن بصددها. ويبدو أنه كان يريد جمع معلومات غزيرة ونشرها في كتاب كبير. وقال إن المجاعة الكبيرة وقعت سنة ١٨٦٧، وشملت مدينة قسنطينة نفسها، كما حلت بالأقليم كله. وروى عن الناس الكبار بأنهم لم يعرفوا مثلها، وأن الفقراء والضعفاء هم الذين عانوا منها أكثر من غيرهم. إنها مجاعة سوداء. فقد حل الجراد، فاضطر الناس إلى أكل الأعشاب وما لا يحل أكله، بما في ذلك القطط والفئران. وافتقر الأغنياء نتيجة المجاعة حتى فرغت مخازنهم. وارتفعت الأسعار فوق الوصف والطاقة. ثم حل الجفاف فأتى على الزرع والضرع. ولم يتوفر العلف إذ نفد ما كان مخزونا من القرط والتين. كما حلت أمراض أخرى وأوبئة بالمجتمع أدت إلى هلاك الآلاف منه.
أما النجدة فقد جاءت، في رأي العنتري، من حكام فرنسا. وقد أشاد بهم وبأفعال فرنسا (الخيرية) التي لولاها لحل بالجزائر أكثر مما حل بتونس عندئذ (١). ولم يدرك العنتري أن الكولون لم يصبهم ما أصاب الجزائريين لأنهم كانوا يتمتعون برصيد من الأرض الخصبة والمخزون الاحتياطي، وأنهم لم يأكلوا بعضهم بعضا كما فعل بعض الجزائريين. وكذلك لم يدرك أن الجزائريين كانوا في الماضي يحتاطون فيخزنون حبوبهم وعلف دوابهم في المطامير لوقت الحاجة. ولكن ذلك كله ذهب مع استعمار الأرض بعد اغتصابها وتهميش أصحابها. ومع ذلك فالعنتري مشكور أنه ترك وثيقته ليعرف الخلف منها ما ارتكب الأجانب في بلادهم وما أكملته الطبيعة وهم شاهدون.
(١) مجاعات قسنطينة، تحقيق رابح بونار، الجزائر ١٩٧٤. انظر أيضا عبد الحميد زوزو (نصوص)، ص ٩٨.