للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحيان، وتكون بيده فتيلة قد أحرق رأسها ويكوي بها أنف المصاب. وقد يدخن له ببخور، وقد يكتب له شيئا مما هو مدون في كتاب (شمس المعارف) للبوني. أما النساء فلا تسأل عن لجوئهن إلى تنزيل القمر في القصعة حتى كان القمر خبزة، وكم تستعمل النساء السحر وحل الأزواج وربطهم، وكم يصدر عنهن من وصايا سحرية ومن رقى ومن أوصاف أدوية لبناتهن وصاحباتهن (١).

ووصف الميلي أيضا النشرة (بضم وتضعيف النون) وقال إنها من أنواع التطبب ولها حكم الرقية والتميمة حسب قوله. وعرفها بأنها تعويذة يعالج بها المريض والمجنون، وهو يعلقها تميمة أو يمحوها ويشرب ماءها أو يدهن بها. فالنشرة هنا كأنها هي تفريق المرض عن المريض، حسب تعريف الميلي. وتعني النشرة أيضا السحر وإبعاد السحر عن المسحور. وترتبط النشرة بالجن غالبا حتى أن اسم الله لا يذكر على الذبيحة إرضاء للجن (٢). ونسب الميلي هذه التصرفات إلى بعض المشائخ، ومنهم شيخه الذي تعلم عليه القرآن. وأشهر منه الشيخ العبيدي الذي كان يتصرف في الجنون فيخرجه من فلانة ويسجنه في زجاجة، وقد يدعي إحراق بعض الجن وتوبيخ آخرين (٣). وهكذا. أما الطيب العقبي فقد سخر من مثال هذه الممارسات في قصيدته (إلى الدين الخالص) عندما أعلن عن عجز هؤلاء (الأطباء الروحيين) عن إزالة الحشرات فما بالك بجلب البرء ودفع الضرر:

لست أدعوهم، كما قلتم، وقد ... عجزوا عن طرد بق أو قراد

وقد انتشر الطب السحري رغم ظهور بعض الأطباء الجزائريين الذين تخرجوا من الجامعات الفرنسية. ويبدو أن الإغراق في الطب السحري قد جاء مع الإغراق في التصوف منذ أواخر القرن الماضي. وكذلك مع الإغراق


(١) الميلي (رسالة الشرك)، ط. ٢، ١٩٦٦، ص ١٥٣ - ١٥٩.
(٢) نفس المصدر، ص ٢٣٧ - ٢٣٨.
(٣) نفس المصدر، ص ١٥٣. وقصيدة العقبي المذكورة منشورة في (شعراء الجزائر) ١/ وفي رسالة الشرك للميلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>