في الجهل. فقد انقطعت العامة عن الهداية الدينية والعلوم العملية وتدهورت أوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتعلق الناس في التداوي والعقائد بالشيوخ والأشباح والجن والأرواح والممارسات الشيطانية. وارتبط ذلك كله بظهور موجة من البدع والخرافات الغريبة عن الدين والعلم والعقل. وكان ذلك يلذ للسلطات الفرنسية، فكلما غرق الناس في البدع والخرافات والسحر والتعلق بالشيوخ كلما هدأت الأوضاع واستقرت البلاد في نظرها. وكان علماء الاجتماع الفرنسيين ينشرون فكرة جديدة أوائل هذا القرن، وهي أن المجتمع الجزائري سيتحلل من الداخل بنفسه وينتهي أجله عما قريب (١).
وظاهرة اللجوء إلى الممارسات السحرية والطب الخرافي لم تكن خاصة بجهة من الجهات. وقد رأينا من النماذج التي ساقها الميلي ما كان يحدث في بعض الجهات الشرقية. وفي سنة ١٩٠٧ كتب أبو بكر عبد السلام بن شعيب دراسة عن (المرابطين المداوين) في الناحية الغربية، سيما تلمسان وضواحيها. وقد بين أن كل ولي عند العامة قادر على علاج مرضى أو أكثر. فالحمى والصداع لهما (أطباؤهما) من الدراويش. وأكد الكاتب أن المسلمين في وقته كانا يفضلون الذهاب إلى المرابطين بدل الأطباء الفرنسيين، (ولكن لماذا الفرنسيون فقط؟) ووصف هؤلاء المسلمين بأنهم جهلة. ولكنه قال إن هذه الممارسات في نظره غير خاصة بالمسلمين. فالعقيدة في الدراويش منتشرة أيضا لدى الكاثوليك. وحاول الكاتب أن يربط بين الإسلام وهذه الممارسات، فقال إن الإسلام لا يمانع في المداواة عند المرابطين بشرط عدم الشرك. ولكن من أين له بذلك؟ وأية مداوداة؟.
والأمراض الشعبية في نظر أبي بكر على نوعين: بدنية ومعنوية (روحية). فالبدنية هي التي يمكن تفسير أسبابها وطبيعتها مثل الحمى وأمراض العين والصداع. أما الأمراض المعنوية أو الخفية فهي التي لا يمكن تعليلها كالصرع والهستيريا، والعامة تعتقد أنها من فعل الجن، ولذلك ينصح
(١) انظر كتابات دوتيه عن (الإسلام الجزائري)، والإسكندر جولي عن الطرق الصوفية.