كاتب متحمس أو شاعر مادح. ذلك أن شروط نجاح التعليم قد لا تكون دائما متوفرة، ومن بينها الميزانية الدائمة واستقرار الأوضاع السياسية وحالة الأسرة. وعلى أية حال فإن بعض الإحصاءات تشير إلى أن زاوية القيطنة وحدها (وهي من المؤسسات المتأخرة في تكوينها) كانت تضم، قبل الاحتلال، بين خمسمائة وستمائة طالب (١). وقد قدر بعضهم أن التعليم الثانوي كان يمنح لعدد يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف طالب في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، أي بين ستة وتسعة آلاف طالب في القطر كله.
وقد عرفنا أنه لم يكن للجزائر في هذا العهد مؤسسة خاصة للتعليم العالي. لذلك كان يقع الخلط بين مستوى التعليم الثانوي والعالي حتى يصعب تحديد الفاصل بينهما. ورغم وصف بعض المدارس التي أشرنا إليها (بالعالية) فإنها كانت أبعد ما تكون عن نشر التعليم العالي المتداول مثلا آنذاك في جامع القرويين أو جامع الزيتونة. ففي ذلك الوصف إذن تجوز كبير. وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض الزوايا، فإنها لم تكن تنشر سوى التعليم المتوسط والثانوي. ويمكن أن نلحظ بدايات التعليم العالي في بعض الدروس التي كانت تلقى بالجامع الكبير بالعاصمة ومثله في تلمسان وقسنطينة، وفي مدارس وزوايا ابن علي الشريف والقيطنة والقليعة والخنقة ومازونة، بالإضافة إلى جامع عنابة في عهد أحمد بن ساسي البوني. ولكنها بدايات كانت مرهونة بسمعة الأستاذ والظروف السياسية ولم تكن تخضع لقواعد أو برامج معينة. ولا شك أن هذا من نقاط الضعف الأساسية في التعليم خلال العهد المدروس. فالطلاب الذين كانوا ينهون المرحلة الثانوية ويرغبون في المزيد من التعليم كثيرا ما كانت آمالهم تخيب فيركنون إلى الخمول ويكتفون بالقليل. ولكن القليل منهم فقط هم الذين كانوا يضربون بطون الإبل أو شراع السفن باحثين عن العلم في البلدان الإسلامية، وقد لا يعودون إلى بلادهم.
(١) تاريخ الأمير عبد القادر، مخطوط المكتبة الوطنية بالجزائر، والرقم فيه كثير من المبالغة.