وظاهرة الاشتغال بالسياسة عند الأطباء الجزائريين ظاهرة ملفتة للنظر. فنحن نلاحظ أن معظم هؤلاء الأطباء قد مارسوا بل اندمجوا في (المشكل الأهلي)، وربما كان ذلك من أجل تسوية وضعهم الخاص، لأن القوانين الفرنسية جعلتهم من جهة في الطليعة المثقفة، ومن جهة أخرى كانوا لا يتمتعون بالحقوق السياسية ولا بالمساواة إلا إذا تخلوا عن أحوالهم الشخصية الإسلامية، وربما كانوا يعتقدون - وهم قلة قليلة - أن حل مشكلتهم كطليعة سيؤدي إلى حل جميع المشاكل الجزائرية الأخرى. فإذا كان الأمر كذلك فإنهم كانوا على خطأ، ذلك أن التيار الذي سيحل المشاكل هو تيار الأمير خالد وحركة الإصلاح ونجم شمال افريقية وحزب الشعب. وليس التيار الإندماجي الذي كان على رأسه: مرسلي وابن التهامي، وابن جلول، وسعدان، وفرحات عباس. ومع ذلك فإن المشاركة السياسية للأطباء والصيادلة قد ساعدت على بلورة القضية الوطنية بكونها قدمت الأطروحة المضادة للأطروحة الوطنية في أغلب الأحيان.
٢ - كان الطيب مرسلي أحد أبناء الجنود الصبائحية من نواحي وهران. ولا ندري كيف استقر الطيب في قسنطينة بعد تخرجه من مدرسة الطب في الجزائر، كما لا ندري أين أكمل دراسته التخصصية وما الأطروحة التي قدمها، وربما لم يفعل ذلك. وقد تزوج الطيب مرسلي بامرأة فرنسية وتجنس في أغلب الظن بالجنسية الفرنسية. ومنذ الثمانينات وجدناه قد برز على الساحة السياسية في قسنطينة، وذلك أثناء موجة تقديم العرائض والاحتجاجات ضد قانون الأهالي وإلغاء المحاكم الإسلامية والمطالبة بالتمثيل النيابي. ورغم ارتباطه بالفرنسيين وثقافتهم، فإنه كان حاضرا في التوقيعات التي كان يجمعها أعيان قسنطينة وكان قريبا من طموحهم. وقد كتب وحده بعض المقالات في جريدة (حرية المستعمرات)، وألف كتيبا عنوانه (مساهمة في المسألة الأهلية الجزائرية)(١). وكان يشغل وظيفة
(١) قسنطينة ١٨٩٤. كما أنه وقع على عريضة مع الأعيان في أكتوبر ١٨٩١. وقال =