والحافظي (ت ١٩٤٨) لا نظفر بكتاب يعالج تعديل الكواكب ورصد حركات الأفلاك بالطريقة التي كان يستعملها ابن حمادوش وابن علي الشريف في القرن الثامن عشر، بل إن المزاول (ج. مزولة) قد تخلفت تقنياتها، وبقي الاعتماد في أغلب الأحيان على الظل وميلان الشمس والشروق والغروب ونحوها من علامات أوقات الصلاة.
وقد اهتم الفرنسيون بآثار الجزائريين في الفلك، وشمل البحث عن هذه الآثار مختلف اللجان التي تكونت، منذ اللجنة الإفريقية سنة ١٨٣٣ إلى اللجنة العلمية ١٨٣٩ إلى لجنة فيري سنة ١٨٩٢. وقد أسس الفرنسيون مرصدا مهما في أعالي بوزريعة، قرب العاصمة. وعكفوا على دراسة الانتاج العربي في علم الفلك، سواء كان مكتوبا أو شفويا بناء على التقاليد والأساطير الموروثة، بما في ذلك خطوط الرمل، ومعرفة أسرار الحروف والأعداد. وإلى سنة ١٩٣٥ كان الميلي يكتب عن تأثير (شمس المعارف) للبوني وغيرها فيقول: (ترى من تعلموا القراءة والكتابة من الجزائريين ينكبون على دراسة كتاب البوني المذكور، فيأخذون منه أقوالا وأعمالا مبنية على علم الحروف المنظور فيه إلى طبائع الكواكب المزعوم أنها الحاكمة في هذا العالم)(١).
وهكذا فإنه في الوقت الذي أسس فيه الفرنسيون المرصد ومدرسة العلوم (كلية العلوم فيما بعد) وغيرها من المنشآت العلمية لمعرفة قوانين الأشياء ودراسة العلوم بدقة وبملاحظة نقدية، كان الجزائريون بعيدين عن الروح العلمية، لجهلهم بتراث أجدادهم من جهة ولإغراقهم في الخيالات والشعوذة من جهة أخرى. ولنتصور أن أقصى عدد وصله الجزائريون في كلية العلوم بين الحربين هو أربعة عشر طالبا فقط. بينما تردد عدد منهم على مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال)، وزاول آخرون دروسهم العلمية في الابتدائي الفرنسي وفي المدارس الرسمية الثلاث.