للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعلم أن مؤلفا آخر قد تناول قواعد التعليم والتربية أو مناهج التدريس في الجزائر خلال العهد الثاني، وقد كانت طريقة التعليم الابتدائي بسيطة بساطة التعليم نفسه: فالمؤدب كان يجلس عادة في صدر الكتاب متربعا على حصير أو نحوه، مسندا ظهره إلى الجدار، مرتديا عمامة وجبة وفوقها أحيانا برنس، وبيده عصا طويلة تصل إلى أبعد تلميذ عند الحاجة، وكان يلتفت يمنة ويسرة يراقب حركات التلاميذ وأداءهم لواجبهم. وعندما يحين وقت الإملاء يملي المؤدب بصوت عال على من يسأله من التلاميذ، وأحيانا ينهر تلميذا آخر يراه عابثا أو ضاحكا، وهو يحرك رأسه آذنا لمن يسأله الدخول أو الخروج.

وكان التلاميذ يتحلقون حول المؤدب في نصف دائرة وإذا كثروا تتعدد الدائرة، وهم أيضا كانوا يجلسون متربعين على حصير أو نحوه قبالة المؤدب، وبيد كل واحد منهم لوحة كبيرة أو صغيرة حسب إمكانيات التلميذ وعمره، وعلى اللوحة البيضاء والملساء من تمرير الطين عليها، كتب درسان (آيات من القرآن الكريم)، فعلى الوجه الأول درس الأمس وعلى الوجه الثاني درس اليوم، وإذا حفظ التلميذ درس الأمس واستظهره على المؤدب أجاز له محوه وكتابة درس جديد، وبذلك يحل درس اليوم محل درس الأمس، وهكذا إلى أن يأتي التلميذ على القرآن كله كتابة وحفظا، وكان كل تلميذ يمسك بلوحته بيديه إما من جانبيها وإما من خيط مثبت في أعلى وسطها. وهو في جلسته يتحرك بجسمه ورأسه أماما وخلفا وأحيانا يمينا وشمالا، وهو يقرأ الآيات المكتوبة بصوت عال، ويشترك جميع التلاميذ في ذلك إلى أن تحدث جلبة وضجيج وتختلط الأصوات، فلا تعود تسمع آيات القرآن وإنما مجموعة من الأصوات المدوية المبعثرة التي تتمازج فيها آيات القرآن. وكان مداد الكتابة هو السمق الأسود المستخرج من صوف الضأن والمصبوب بعد حرقه في الدواة، أما الأقلام فأغلبها من القصب، ولا نظن أن الأطفال كانوا، كما قال بعضهم، يكتبون ألواحهم بالطباشير (١). ولم يكن


(١) شيلر، ٥٧. هناك وصف آخر لجلسات المؤدب والأطفال في الكتاب تجده في الأجزاء الأخرى التي تتناول العهد الفرنسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>