تخرج من ثانوية الجزائر الفرنسية - أن يرى ذلك بعينه، فجاءه بنموذج على يد القاضي. وذكر أن من الأشجار النسبية ما يرجع إلى عشرة قرون خلت، وكانت محفوظة في الجلود، وكانت مطوية طيا خاصا وموضوعة في أنابيب من الحديد لحفظها واستعمالها عند الحاجة كمعرفة الأنساب وتقسيم التركات، ونحو ذلك (١).
وكان هدف الفرنسيين هو القضاء على الأصول العائلية وقطع آثار الماضي بعد أن ثبت لديهم أن معظم الثورات كانت بإيعاز أو بقيادة الأشراف والمرابطين والأجواد، وكل هؤلاء يرجعون في أصولهم إلى أنساب عريقة. ونحن لا نريد أن نقول إن هذه الأنساب صافية كلها وصادقة فيما يدعيه أصحابها. ولكننا نؤكد على أهمية حفظ الأنساب وعلاقة ذلك بردود الفعل ضد الفرنسيين. وقد ثبت لهؤلاء بعد التجربة أن الانتهازيين الجدد، أولئك الذين ليس لهم أصول عائلية، هم الذين أسرعوا في الذوبان في الفرنسيين وقبول نمط عيشهم والخضوع إليهم، خدمة للمصالح المشتركة. ولذلك مال الفرنسيون إلى هؤلاء بعد أن اعتمدوا في أول الأمر (حوالي ثلاثين سنة) على بعض المرابطين والأشراف والأجواد، واستفادوا من سمعتهم ونفوذهم.
وبتقادم العهد خيم الجهل بالأنساب ونسج النسيان والغموض خيوطهما على الذاكرة العائلية. وقد مر بنا في غير هذا أن الأجيال الجديدة لم تعد تهتم بالأنساب، وأخذ الفكر الغربي يحل محل الفكر الشرقي لدى طائفة المثقفين بالفرنسية، وانقطع هؤلاء عن أصولهم العائلية - رغم أن بعضهم كان من عائلات معروفة في التاريخ - بحكم جهلهم التام باللغة العربية، والتقاليد وأشجار النسب. وقد عرفنا نحن بعضا من هؤلاء فكانوا يملكون أشجارا نسبية ووثائق عائلية ولكن لا يدركون لها معنى، أو لا يفهمون عنها إلا فكرة غامضة.
(١) العقيد بورا BURAT (ميزاب وأسرارها) في مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال افريقية SGAAN، ١٩٣٠، ص ١٧٢.