للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذا لا يعني أن الانتساب قد اختفى. فقد وجدنا الانتماء إلى الأشراف قد ازداد اتساعا، نتيجة الفقر والاضطهاد. وأصبح من الشائع في القرن الماضي إن شيوخ الطرق الصوفية وبعض العناصر المعارضة للاحتلال قد لجأت إلى اختلاق أنساب تربطها بالشرف وترجع بها إلى أصول غامضة. ويجب التنبيه إلى أن فكرة الشرف لم تبق مرتبطة بأصول عرقية أو عربية أو الانتساب إلى آل البيت فقط، بل إن هناك عائلات شريفة في الأوساط البربرية سواء كان ذلك عن طريق اختلاط الدماء بالمصاهرات (وهناك البعض يجيزون الشرف من قبل الأب أو من قبل الأم أو من كليهما) أو كان عن طريق دعاوى أخرى كالانتماء إلى أشراف قريش أو بقايا الصحابة الذين نزلوا الجزائر أيام الفتح. وقد ظل الانتماء إلى الأدارسة والحسنيين، والساقية الحمراء والغرب (المغرب) علامة على حفظ الشرف والانتساب إلى آل البيت. أما الأنساب الأخرى القائمة على المجد السياسي والعسكري فقد ظلت متواترة ولكنها تأثرت بالأحداث التي عرفتها البلاد، كما ذكرنا (١).

وأمام هذه التطورات لم يبق للكتاب موضوعات كثيرة يعالجونها حول الأنساب. فقد اختفى الاستشهاد بكتب نسابة البربر التي كانت المصدر الأساسي لابن خلدون والتي كانت متوفرة على عهد أبي القاسم الزياني أوائل القرن التاسع عشر، مثل تواريخ سليمان بن إسحاق المطماطي، وهاني بن يصدور القومي، وكهلان بن أبي لؤي الأوربي (٢). ولكن المستشرقين اطلعوا - دون الجزائريين ربما - على أعمال في أنساب بعض الأمراء والعائلات في العصور الإسلامية، مثل تاريخ سعيد العقباني في دولة بني زيان، وتاريخ ابن مرزوق المعروف بالمسند الصحيح الذي تناول فيه حياة


(١) انظر فقرة آخر الأعيان في الحركة الوطنية، وكذلك بحثنا (آخر الأعيان أو نهاية الارستقراطية العربية بالجزائر).
(٢) عالجها المستشرق رينيه باصيه في (الأرشيف البربري) تحت عنوان (النسابة البربر)، المجلد ١، ص ١ - ١٣. انظر مولاي بلحميسي (الجزائر من خلال رحلات المغاربة)، ١٩، ص ١٦٠ - ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>