والسرقات، فلا يستحق أي تقدير، وكل الأديان متفقة على ذلك. ولا شك أن هذا الكلام، وإن كان في ظاهره حقا، يساعد الفرنسيين الذين كانوا يرون أن سبب (التعصب) في الجزائر والثورات ضدهم هم الأشراف المزيفون (١). وعندما قرأ عاشور تعليق ابن مهنة على الأشراف ثارت ثائرته وهجاه بالشعر اللاذع، وسلط عليه لعنات السماء، حسب تعبير ديبون وكوبولاني، واعتبره قد تجرأ على مقام الأشراف الذين قال إنهم سواء عدلوا أو ظلموا فالله يغفر لهم، بل مغفور لهم قبل وجودهم. وسمى ديبون وكوبولاني عاشور (إخوانيا) أي أنه كان منتميا إلى إحدى الطرق الصوفية، وهي هنا الرحمانية التي كانت فرنسا تعتبرها على رأس قائمة أعدائها، سيما إذا عرفنا أن عاشور كان قد تلقى الورد على الشيخ الحداد نفسه في سجن قسنطينة، كما قال.
وقد انقسم الناس فرقتين حول هذا الموضوع الحساس عندئذ. وانتشر شعر عاشور في مدح الأشراف وهجاه ابن مهنة. ولا ندري مشاركة هذا في الموضوع بعد تعاليقه على رحلة الورتلاني وشكواه من تهجمات زميله. فهل كتب ابن مهنة أيضا ضد عاشور أو اكتفى بدروسه في الجامع الكبير بقسنطينة وتآليفه التي دعا فيها إلى الإصلاح والابتعاد عن الخرافات. ولكننا نعرف أن الموضوع قد تطور بينهما إلى فصل ابن مهنة نفسه عن وظيفه سنة ١٩٠٥ وتفتيش منزله واتهامه بانتقاد الحكومة وتنظيماتها، واحتجاز كتبه فترة من الوقت، ثم عفى عنه ورجع إلى عمله، ولكن حياته لم تطل بعد ذلك. فهل ذلك يرجع إلى صراعه ضد خصومه من أنصار الأشراف مهما كان حالهم، بل من أنصار الركود الذي يحاول هو أن ينفيه عن الناس، ومن ثمة تكون الإدارة الفرنسية لها ضلع أيضا في الموضوع. ومهما كان الأمر، فإن هذه الإدارة كانت هي الرابحة في النهاية، لأنها عرقلت عمل الرجلين وضحت بهما معا حين أدخلت عاشور السجن ونفته سنوات طويلة، وعزلت ابن مهنة عن جمهوره وتلاميذه بعض الوقت، رغم أنه كان (عميق الديانة) كما قال ديبون
(١) انظر لويس رين (مرابطون وإخوان)، الجزائر، ١٨٨٤، المقدمة.