للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواد، (إذ أن بعضهم كان يدرس أكثر من مادة واحدة ولكنه قد يشتهر بواحدة كما سنرى)، أما إذا جاء الطالب وهو لا يدري عمن سيدرس فإنه يجلس إلى المدرسين عدة مرات حتى يستقر رأيه على واحد منهم أو أكثر.

والمدرس حر في وضع البرنامج الدراسي وفي تحديد أوقات التدريس في الغالب، فبعضهم كان يعد دروسه في الصيف ويلقيها في الشتاء (١)، وبعضهم كان يلقي دروسه ثلاث مرات في اليوم الواحد (٢)، كما أن بعضهم كان يلقيها في الصباح فقط أو بعد الظهر فقط، أو مرتين في النهار وقد لا ينقطع بعض المدرسين عن التدريس طول النهار (٣)، ومهما كان الأمر فإن معظم الدروس كانت، كما ذكرنا آنفا، في الصباح وبعد الظهر وبعد العصر. وبالتدرج ترتبط علاقة وطيدة بين الطالب والمدرس، ذلك أن المدرس هو الذي ينصح تلميذه بكيفية القراءة، وبالكتب التي عليه أن يدرسها وبطريقة تحضير الدرس، وبالمتون التي عليه حفظها، ونحو ذلك مما له علاقة ببرنامج التدريس. وكان الفرق بين مدرس وآخر، في نظر الطالب، بالإضافة إلى العامل النفسي، هو سيطرة المدرس على مادته ومدى حفظه لها ولفروعها وفصاحة لسانه وقوة شخصيته وإخلاصه في مهنته، وفي ضوء هذا كله كان الطالب يقرر الاستمرار مع المدرس أو الانتقال عنه إلى مدرس آخر أو حتى إلى مؤسسة أخرى. وما دام البرنامج شخصيا فإن الاستمرار فيه أمر شخصي أيضا، وكثير من الطلاب كانوا يغيرون وجهتهم بعد وفاة مدرسهم أو هجرته كما فعل سعيد قدروة بعد وفاة شيخه ابهلول المجاجي، وكما فعل عيسى الثعالبي عند وفاة شيخه علي بن عبد الواحد الأنصاري، فقد كانت الرابطة قوية جدا بين الطالب والأستاذ لدرجة أنها


(١) جاء ذلك في ترجمة الشيخ محمد الكماد، انظر (سلوه - الأنفاس) ٢/ ٣٠.
(٢) ذكر ذلك أحمد توفيق المدني عن أساتذة مدرسة صالح باي، انظر كتابه (محمد عثمان باثا)، ١٥٣.
(٣) ابن مريم (البستان)، ١٤٥ وذلك في ترجمة الشيخ علي بن يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>