كانت ميزة الدروس في التعليم الثانوي (والعالي أيضا) هي الشرح والإملاء. فقد كان لكل مدرس مسمع يقرأ له النص أو جزءا من الكتاب المدروس، ثم يأخذ المدرس في شرح المسألة وتوضيحها والاستشهاد لها من محفوظه ومعقوله أو من (المنقول والمعقول)، وقد لا ينهي المدرس المسألة في نفس الجلسة، فإن ميزة المدرس الناجح هي الخوض في الجزئية الواحدة عدة مرات ومن عدة وجوه، وكلما أطال المدرس في المسألة وأفاض فيها كلما كان ذلك من ميزات نجاحه، وهو يختم درسه في العادة بإملاء خلاصات على الطلاب فينسخونها بحذق وعناية كما أن الطلاب أنفسهم يسجلون الدرس كله إذا كان المدرس واسع العلم غير متقيد بالمنقول والمسموع من المسائل، فإن الطلاب في هذه الحالة يصبحون حريصين على ألا تفوتهم شاردة ولا واردة من درس شيخهم. وبذلك يسهمون بدورهم في حركة التأليف التي كانت ممدوحة حينئذ (١).
كما أن الشيخ كان يسهم في حركة التدوين بوضع شروح على المسائل التي عالجها لطلابه أو يضع حواشي وتقاييد وتعاليق، بعضها عميق ومفيد تستفيد منه الأجيال اللاحقة، وبعضها كان مجرد تكرار لما سبقه أو اختصار للمطولات، وعلى كل حال فإن بعض التآليف المنسوبة إلى عدد من المدرسين والتي سنعالجها في الجزء الثاني كانت لا تخرج عن هذه الخاصية، ونعني بها الإملاءات والشروح والحواشي ونحوها، كما أن بعض المدرسين كانوا لا يهتمون بوضع الشروح والإسهام في حركة التأليف وتدوين العلم، أما مكان الدرس فأغلبه الجامع، كما عرفنا، وكان بعض المدرسين لا يتقيدون بمكان ولا حالة، فقد ثبت أن بعضهم كان يدرس وهو ماش إلى حقله أو هو صاعد إلى الصومعة للأذان، كما أن المسمع والطالب الجاد لا
(١) كذلك وجدنا الأمير عبد القادر يذكر أن ميزات زاوية القيطنة على عهد والده (تدوين العلم بأكثر أنواعه بمسجدها) انظر (تاريخ الأمير عبد القادر) مخطوط المكتبة الوطنية (الجزائر).