للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفارق شيخه حتى عندما يركب دابته، فهو يسير (عن يمينه أو شماله) (١) متلقيا عنه ما يفوه به من مسائل وآراء.

أبرز ميزة في المدرس أو الأستاذ هي الحفظ والرواية. فالمدرس الكفء (والعالم عموما) هو الحافظ لعدة علوم مع أسانيدها، وليس المراد حفظ المتون ونحوها بل حفظ بعض الكتب كاملة كشرح خليل والرسالة وابن الحاجب وغيرها من الكتب والشروح، وكانت ملكة الحفظ متوفرة وقوية حقا، فأهل المغرب، والعرب عموما كانوا يمتازون بالحفظ وكثير منهم كانوا يحفظون القصيدة أو القطعة ونحوها من سماعها الأول، ولذلك نجد المترجمين لأهل العلم في الجزائر خلال العهد المدروس (والذي قبله طبعا) يكثرون من عبارة (الحافظ) لعدة علوم. ففي (البستان) لابن مريم و (مطلب الفوز) للبطيوي وغيرهما كثير من ذلك، وقد قال أبو حامد المشرفي عن شيخه عبد الله سقط إنه (الحافظ الحجة التابع لجادة المحجة) وعن شيخه الثاني محمد بن مصطفى أنه كان يحفظ الخرشي على خليل ويمليه في الدرس، حفظا كما يحفظ أحدنا القرآن (٢) وقد وصف ابن زاكور المغربي شيخه ابن الكماد القسنطيني بأنه (العلامة الحافظ الدراكة ..) (٣) وقيل في ترجمة ابن الكماد أيضا (اجتمعت الكلمة على أنه أحفظ علماء عصره، بل ظهر من حفظه ما بهر العقول) (٤) كما وصف بالحفظ أبو راس وأحمد بن عمار وغيرهما.

وكانت ميزة الجمع بين عدة علوم أيضا من الميزات الهامة في الأستاذ الكفء وقد قيل عن ابن الكماد الذي سبق ذكره أنه كان يحسن اثني عشر علما، فإذا جمع المدرس إلى ذلك حذق الدرس بمفهومه ومنطوقه فهو صاحب (المفهوم والمنطوق) وهي أيضا من التعابير الشائعة عند العلماء في


(١) ابن مريم (البستان)، ١٤٥.
(٢) المشرفي (ذخيرة الأواخر والأول)، مخطوط مصور.
(٣) ابن زاكور (الرحلة). ٢٢.
(٤) الكتاني، (سلوة الأنفاس) ٢/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>