للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد وسلفه ويبرر الاحتلال الفرنسي وخدمته هو للمحتل الجديد. وكان الضابط بواسوني، في الحقيقة هو الذي طلب منه كتابة هذا التاريخ، إذ كان بواسوني من الارستقراطية العسكرية، ومن الضباط المهتمين بالدراسات العربية وتاريخ المنطقة، وكان رئيسا للمكتب العربي (بلدية عسكرية) منذ إنشائه في قسنطينة حوالي ١٨٤٣. وقد نشر هو نفسه بعض المؤلفات مثل (الفارسية) لابن قنفذ (١).

ويبدو أن العنتري قد ألف عمله وهو شاب مندفع، إذ بقي على قيد الحياة إلى ما بعد سة ١٨٧٧. وقد اعتمد على وثائق أبيه، وكان هذا الأب أيضا مهتما بالتاريخ وله فيه بعض التقاييد. وكان العنتري (الابن) من أصحاب الخطوط الجيدة، وقد رأينا ذلك. وتلك عادة الخوجات قديما. ولا شك أنه استفاد أيضا من وثائق المحاكم والعائلات. وقد كتب عمله بأسلوب بسيط ومنظم. وهو في الواقع لا يؤرخ للعصر والمدينة والناس، ولكنه يذكر البايات حسب تواريخ ولايتهم وما حدث في زمن كل واحد منهم وما أنشأ كل باي من مآثر. وقد خصص للحاج أحمد قسما كبيرا في الكتاب، لأنه من جهة يهم الفرنسيين ولأن العنتري نفسه قد عاصر جزءا من عهد هذا الباي.

ومنذ ظهور كتاب العنتري، الذي طبع حوالي ١٨٤٧ في قسنطينة بالعربية (٢)، أخذ المترجمون وضباط المكاتب العربية ينقلون عنه دون ذكره أحيانا. ومن هؤلاء فايسات الذي كان مترجما ومدرسا في قسنطينة، فقد التهمه التهاما في عمله الذي سماه (تاريخ بايات قسنطينة في العهد العثماني) ثم أرنست ميرسييه (٣) الذي أرخ لقسنطينة، وكذلك شارل فيرو. ويبدو أن المترجم أحمد (نيقولا) الأنبيري قد استفاد منه أيضا في كتابه المسمى (علاج السفينة). ويمكن القول إن تاريخ العنتري، رغم شباب مؤلفه وسرعة تنفيذه، بقي مصدرا هاما لتاريخ قسنطينة وإقليمها. ولم يكن العنتري مؤرخا، ولكنه كان مكلفا بكتابة


(١) عن بواسوني انظر فصل الاستشراق، وكذلك كتابنا (محمد الشاذلي) ط. ٢، ١٩٨٥.
(٢) مطبعة قود Gueude، قسنطينة ١٨٤٧، وكانت طباعته الأولى على الحجر.
(٣) انظر عن فايسات وميرسييه وفيرو فصل الاستشراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>