يكتبون لهم الخطوط العريضة ويبصرونهم بالتواريخ والأحداث البارزة، ثم يأخذون هم في الغربلة والتصفية والمقارنة ويحتكمون أيضا إلى الوثائق الفرنسية والإسبانة، وإلى خيالهم أحيانا بما يتفق وأهدافهم ومصالحهم في الجزائر، ثم يخرجون على الناس ببعض المؤلفات التي توحي بأنها جميعا من صنعهم الخاص. وننبه إلى أن بعض ما كان يكتبه الجزائريون للفرنسيين كان مجهول المؤلف تماما، كما حدث للتقييد المعروف باسم (إتمام الوطر في التعريف بمن اشتهر)، وأحيانا يكتفي الفرنسيون بقولهم (تأليف أهلي). وكانت بعض التقاييد تكتب تحت الإلحاح والحاجة من الطرفين: الفرنسي يحتاج المادة التاريخية، والجزائري: يحتاج الوظيف والزلفى.
ونلاحظ أنه وقع العبث ببعض المؤلفات التي كان أصحابها معروفون. فيقع تغييب الاسم ويبقى المؤلف مجهولا. وهناك عبث آخر، وهو نزع الصفحات الكاملة من المؤلفات المعروفة، كما حدث لسيرة مؤلف كتاب (طلوع سعد السعود). وقد وجدنا حوالي عشرين صفحة منزوعة من كتاب (القول الأوسط) للشقراني. وقس على ذلك. إن هناك تدميرا مستمرا لحركة التأليف، ولا سيما إذا كان فيها تعريض بما ارتكبه الفرنسيون في الجزائر من ذنوب. وهذه الظاهرة لا نكاد نجدها في المؤلفات التي تعاملت مع تاريخ قسنطينة.
فإذا عرفت ذلك، فلنشرع في ذكر المؤلفات وأصحابها بقدر ما نملك عنها من معلومات:
١ - أنيس السهران ودليل الحيران، لمسلم بن عبد القادر الحميري. وهذا المؤلف كان من أعيان الكتاب والإداريين في وهران. وكان لقبه باش دفتر (كبير الكتاب) في الإدارة المخزنية. وكتابه جامع وكبير، ولكن ما بقي منه ليس جامعا ولا كبيرا. وقد توفي مسلم في أوائل الاحتلال (١٢٤٩) سنة ١٨٣٣. وبقي كتابه متداولا بين أيدي الضباط والمستشرقين الفرنسيين فترة