للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تدوم. ولعله كان مؤمنا بزوال الاستعمار الفرنسي، ولكن بوسائل أخرى غير الثورات التي ينتج عنها في نظره، قمع جديد في كل مرة.

وقد تناول الأحداث بطريقة عكسية. فقد بدأ بالأحداث المعاصرة له، كثورة بوعمامة، ثم تراجع إلى الأحداث السابقة لها، وهكذا إلى أن وصل إلى العثمانيين وغيرهم. ولكن عمله كان استعراضا سريعا للأحداث وليس دراسة لها. ولم يبوب عمله بطريقة منهجية. وإنما أخضعه لطريقة الأحداث نفسها، وهو متواضع في مؤلفه فليس هو بصاحب دعوى، ولذلك سمى تأليفه (تقييدا)، وهو في الواقع كذلك.

يقول في تبرير إقدامه على التأليف: (إني لما رأيت مغربنا الأوسط قد سكنته أمم وانقرضت، وملكته ملوك وانفرضت ... أردت ... أن أجمع فيه ما قيدته ونقل ما وجدته، والواقع الذي شاهدته، وسميت هذا التقييد بالقول الأوسط ... ماشيا فيه القهقرا (كذا)، سالكأ فيه مسلك السادات الفقرا) (١). ويقول عن بوعمامة، وذلك في بداية عمله: (ثار رجل من أولاد سيدي الشيخ بالقبلة يقال له أبو عمامة، على الفرنسيس (يريد) (٢) قطع دولتهم الراسخة، ومملكتهم الراسية الرامخة (؟) ويكون أحق بها وأهلها ...) وأضاف عنه إن بوعمامة كان قد ظهر أول مرة في الصحراء وظل يتردد هناك بدون فائدة كثيرة، ونسب إليه قتل العمال الأسبان، بغير حق (واتهمه بالسفه وكونه لا يتعظ، مع العجز والظلم، ولذلك لم يطعه الناس. وبعد أن كان الفرنسيون يهربون إليه أصبح هو الذي يهرب منهم. فهو (يتبع الخلوات كالطارق، ويتردد فيها كالسارق). وذكر الشقراني أن الفرنسيين قد لجأوا إلى اتهام كل المسلمين بالثورة، فسلطوا عليهم (السخرة والركبة وشددواعليهم، وضيقوا، عقوبة لهم، كأن الضر جاء من جميعهم ... ووقع الهرج والفزع بين الناس ... ولم تبق حرمة لمن كان يستحقها من الناس وصار المسلم من أبغض ما يبغض عندهم (الفرنسيين)).


(١) هذه الكلمة كانت عادة تطلق على المتصوفة وأتباعهم.
(٢) أضفنا كلمة (يريد) لربط المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>