يعالج الأمور من جهة نظره أو بناء على معطيات حديثة إلا في الجزء الخاص بالاحتلال الفرنسي أو القريب منه. ولكنه غلف ذلك بضباب من نوع خاص، كما سنرى. أما الكتب التي اعتمد عليها فهي مؤلفات ابن خلدون وأبي راس، وحسين خوجة، ومسلم بن عبد القادر الحميري. ويبدو من مقدمة الكتاب أن الزياني كان متحمسا لموضوعه وكأنه جاء لتصحيح خطأ شائع حول بناء وهران وما قيل في تاريخها. ويذهب البوعبدلي الذي حقق دليل الحيران إلى أن الزياني قد اعتمد على المشافهة أيضا، ورجع إلى الأدب الشعبي. وكان أسلوبه يعتمد السجع بكثرة، رغم عدم احترام قواعد اللغة.
ومن المعروف أن الزياني قد عاصر الاحتلال الفرنسي وتثقف ثقافة مخضرمة. وكانت أسرته تتولى الوظائف في العهد العثماني، ومنها عمه أحمد بن يوسف الزياني الذي كان مستشارا لبعض البايات، حوالي (١١٧٠ هـ). وكانت الأسرة تقطن بلدة برج عياش (برج ولد المخفى اليوم)، الواقعة قرب معسكر. وهي من الأسر العلمية والسياسية. أما المؤلف فقد تولى للفرنسيين عدة وظائف قضائية ابتداء من سنة ١٨٦١ ببلدة البرج، وقد استمر في هذا الوظيف مدة طويلة إذ وجدناه قاضيا أيضا في وادي تليلات سنة ١٨٨٣، ثم في سيق. ويغلب على الظن أنه بقي على قيد الحياة إلى مدار القرن الميلادي تقريبا (حوالي ١٣٢٠). وإذا أخذنا هذه التواريخ في الاعتبار علما أنه قد يكون من الذين درسوا في المدارس الشرعية الفرنسية الثلاث (مدرسة تلمسان مثلا) التي تأسست سنة ١٨٥٠. وأنه تولى القضاء في عهد المملكة العربية وما بعدها، سيما عقد الثمانينات حين انطلقت الحملة ضد القضاء الإسلامي لإدماجه في القضاء الفرنسي. وكان منصب القضاء نفسه منصبا سياسيا، لأنه كان يعني العمل تحت مظلة المكاتب العربية العسكرية قبل ١٨٧٠ وتحت مظلة الولاة الفرنسيين المدنيين بعد ذلك. وما سنقوله عن رأي الزياني في حكم الفرنسيين قد يكون نابعا من وظيفه وتجربته في القضاء وعلاقته مع الفرنسيين هذه المدة الطويلة. والغريب أننا لا نجد له ذكرا في