قسم الزياني دليل الحيران إلى جزئين أو قسمين رئيسيين: وقد جعل القسم الأول في أربعة فصول تضمنت التعريف بمدينة وهران، وتسميتها وتأسيسها، وعلماءها وأولياءها، ثم حكامها عبر الزمن. ولا سيما منذ إسلام زعيم مغراوة على عهد الخليفة عثمان بن عفان. أما القسم الثاني فقد بدأه بعهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني. وتناول فيه أيضا النزاعات بين الزيانيين والمرينيين، واحتلال الإسبان لوهران، ثم العهد العثماني الذي توسع فيه إلى غير وهران. وفي نهاية هذا القسم جعل فصلا ملفتا للنظر وهو عن دولة الفرنسيين، وقال إن الكلام على (الإفرنج) سيكون في سبعة مواضع. ولكن البوعبدلي الذي حقق المخطوط لم يظفر بمحتوى هذا الموضوع، وفي ظنه أن المؤلف توقف عن الكتابة خشية العواقب إذ أنه لم يرد أن يتورط في إبداء رأيه في الاحتلال والنظام الاستعماري. ولجأ بدلا من ذلك إلى التنبؤات (١). ونفهم من هذا أن الزياني قد أكمل كتابه ولكن بطريقة غامضة، فهل ذلك ينسجم مع ما سنقوله عن الكتاب المنسوب إليه باسم (أقوال التأسيس؟).
ولكن قبل ذلك نود أن نذكر نقطتين حول الزياني أيضا، الأولى حول تعريفه للتاريخ، والثانية ذكر الكتاب الآخر المنسوب إليه. عرف الزياني (علم التاريخ) تعريفا، غير واضح، إذ اكتفى بقوله إنه (من العلوم التي ينبغي الاعتناء بها ولا تجعل في زوايا الإدخار)، واعتبره ضروريا في وقته بالخصوص إذ هو وقت ظهرت فيه الجهالة والضلالة، حسب تعبيره، وجن فيه الليل وأدبر النهار، وسكت فيه أهل العلم ولازموا غض الأبصار. وهكذا فإن علم التاريخ قد ينفض غبار الجهل، وينير جوانب الليل الحالك الذي ساد الجزائر. وقد أخذ الزياني بعد ذلك يذكر نماذج من الجهل والغفلة حين اعتقد الناس أن باني وهران هم غير العرب والمسلمين، بينما كان بانيها هو خزر المغراوي الزناتي في القرن الثالث الهجري.