المخفي. لقد كان المخزن إذن يتمتعون بامتيازات عديدة، منها الإعفاءات من الضرائب، ومنحها الاقطاعات من الأراضي، مقابل الحرب إلى جانب السلطة سواء عند الفتن الداخلية أو عند الغارات الخارجية.
وكان المخازنية هم الفئة الغنية والمتنفذة، وهم الأجواد ورجال السيف والبارود، والفرسان الذين يتقنون الرماية وركوب الخيل، ويمتازون بالشجاعة والإقدام. وكانوا هم عمدة الدولة الذين تنتصر بهم على أعدائها. وهم الأسود، الذين عناهم مؤلف (طلوع سعد السعود). لقد كانوا يمثلون الإقطاعية أو الارستقراطية، كما يسميها الفرنسيون. فهم الأغنياء المترفون أكثر من غيرهم، وهم سكان الأبراج والخيام الكبيرة إذا سكن غيرهم الأكواخ ونحوها. وهم فرسان الميدان ولابسو الحرير والثياب الوتيرة، وهم أهل القهوة والشاي والدخان التي لا تتوفر لغيرهم عادة، وهم ذواقة الشعر وأناشيد الفخر والحماسة. وكانوا فخورين بأصولهم وهندامهم وطبقتهم الاجتماعية. ولكنهم مع ذلك لا يؤلفون طبقة متماسكة، بل قد تكون بينهم خصومات وحتى حروب. وهم على حذر من رجال الدين والمرابطين، يحترمونهم، ولكنهم يخافون نفوذهم لدى العامة، ولذلك كانوا، حتى في زمن الاحتلال الفرنسى، فى أشد الخصام والحذر منهم. وقد أشرنا إلى العلاقة المتوترة بين آغا فرندة والمرابط. ومنذ الستينات أخذ الفرنسيون يعتمدون على رجال الدين بدل رجال السيف (المخازنية). وإلى ١٨٣٥ كان أهل الدوائر والزمالة والبرجية مع المقاومة تحت لواء الأمير، ثم أخذوا يتخلون عنه وينضمون للفرنسيين ضده. ويضاف إليهم الكراغلة في كل من تلمسان ومستغانم، ثم بعض الطرق الصوفية مثل التجانية والطيبية (١).
ذكرنا هذه الخلفية لتعلم أن إسماعيل بن عودة المزاري مؤلف (طلوع سعد السعود)، كان من هذه الطبقة المخزنية، وكان والده وعمه من أعيانها
(١) بهذا الصدد انظر دراسة محمد غالم (مقاومة الأمير عبد القادر) في (مجلة الدراسات التاريخية) عدد ٨، ص ٤٠ - ٤٢.